مهرجان “تجليات” الشباب الشعرية
حلب – غالية خوجة
ما زال الجيل الشاب يطوّر نفسه في مختلف المجالات، ومنها المجال الأدبي الذي يحظى بمبادرات عديدة تتعاون معها الجهات المختلفة، ومنها مديرية الثقافة التي قدّمت مع كل من منتدى اليمامة الأدبي وجمعية بيت القصيد الثقافية مهرجان “تجليات” الذي استمر يومين على مسرح دار الكتب الوطنية، وقدّم خلاله 9 شعراء شباب و3 شاعرات شابات كتاباتهم الشعرية التي جاءت مع موسيقاها بين محاكاة للشعراء المتصوفة المحتفى بهم، ومنهم الحلاج والعطار والسهروردي، ليدوروا كما مولوية جلال الدين الرومي في عالم يجرّب التخلي عن الماديات ليدخل مدار العشق الإلهي والمحبة الإنسانية، تلك التي عرضها فيلم “تجليات” عن بعض أعلام المتصوفة من إعداد وإخراج الشاعر الشاب أحمد زياد غنايمي- مدير بيت اليمامة الأدبي، وكانت الموسيقا والغناء بإدارة أحمد نشار، بينما جاء الإشراف العام لمحمد زعزوع. فماذا عن هذه التجليات الشبابية؟
تجربة جميلة بلا شك، وكان من الممكن أن تكون أجمل من ناحية الإلقاء والأداء، سواء الصوت في الفيلم، أو أصوات المقاطع الحيّة الملقاة من وراء الكواليس بين شاعر وشاعر، وأصوات الشعراء الشباب المشاركين، لأن الصراخ أو النبرة العالية لم تكن في مكانها المناسب غالباً، وروح المعنى وتحليق الكلمة لم يكونا بتلك الشفافيات وتجلياتها، لكنّ السير على تلك الطريق من الممكن أن يثمر في المستقبل الكثير من التنوع الذي قدّمه المشاركون وهم يحاولون السباحة مع نصوصهم في هذه الأمواج التي تحدثت عنها د. ميادة مكانسي بملخص محاضرة عن التصوف والعرفان.
اليوم الأول دراما الذات
بدأ اليوم الأول مع الشاعر الشاب هاشم ميسر بقصيدتين عنوان إحداهما “واحد لضميرين”، ليعبّر بمونولوغية عن صراع بين الأنا وذاتها، بينما تفاعلت الشاعرة الشابة فاطمة بادنجكي مع أحاسيسها المتباينة في قصيدة “صخب الشعر”، وبدوره، ألقى الشاعر الشاب عمر قنطار قصيدتين عن الحب كما تراه مشاعره، بينما كان الشاعر الشاب يحيى شريفة كمن يواسي نفسه من حزن الحب وآلام القلب، وهي المشاعر ذاتها التي تناولها الشاعر الشاب نزار خربوطلي في قصيدته “جف الهوى”، معبراً عن الفراق وحلم التلاقي، وكذلك عبّرت الشاعرة الشابة فرح الحويجة عن عتاب المحبين في قصيدتها “وصف من لا يقبل الوصف”، واختتم ضيف شرف اليوم الأول الشاعر محمد بشير دحدوح بقصيدته “مغارة الأسماء”.
صراع البقاء
وبدأ اليوم الثاني من المهرجان مع الشاعر الشاب محمد الضرير بقصيدة “تجليات” محاولاً الخروج عن الحواس المباشرة إلى اللامباشرة، لترتفع المعاني الوجدانية والروحية بأداء مناسب، بينما قرأ الشاعر الشاب حسن كوكه قصيدته “شوق لا يعرف الرحيل” بأداء مسرحي منسجم مع كلماته المتمحورة حول الحب والفراق والشوق والعتاب والعودة والارتقاء الروحي مجرباً العبور إلى صور أخرى.
بدوره، شارك الشاعر الشاب محمد اللجي بقصيدة “حب” ليبوح بلواعجه ومشاعره باحثاً عن اللقاء مع “تولين” البطلة التي يطلب منها أن تقدّ قميصه والباب مغلق، بينما امتدح الشاعر الشاب كاظم الصيادي منتدى اليمامة، ثم قرأ قصيدته “خمر من الغيث” المتداخلة مع عشقه بين محاكاة صوفية تتوحّد مع الحق ومخاطبة الآخر للاتّباع.
ونزح الشاعر الشاب محمد فضيلة إلى الموت والقبر والحياة ودموع الزمان في قصيدته “رثائي”، ليجد أن الاستمرار من خلال الحب ضرورة، لذلك يستحضر مع “ألا ليت شعري” بعض تفاصيل الجسد، وبدورها قدّمت الشاعرة الشابة تسنيم سلطان قصيدتيها بقراءة إذاعية وحضور استعراضي، ومعانٍ ودلالات متناقضة بين قصيدتها الأولى “فراغ وبابك ختم” الذاهبة إلى العشق الإلهي، وقصيدتها الثانية “الحمى الشرقية” وحالة التذلل للوصول إلى الرضى.
وكان ضيفا شرف اليوم الثاني كلّ من الشاعر إبراهيم كسار الذي ألقى قصيدتين “ما لم يقله أبو ذؤيب” و”أسماك البقاع- الرمل”، والشاعر فرهود الأحمد الذي ألقى قصيدته متحاوراً مع العماء وأزمات الحياة ورأى نفسه يعصر شَعراً، متسائلين لماذا لم تكن هناك شاعرة ضيفة شرف؟.
وقبل الختام، صعد الشاعر أحمد زياد غنايمي سعيداً بما قدّمه منتدى اليمامة كعمل عظيم لدرجة قال فيها اخلعْ نعليك وادخل إلى اليمامة، مرحّباً بكافة الآراء، مبجّلاً المتعاونين في هذا المهرجان الذي اختتم بفقرة أناشيد دينية قدمها الموسيقي أحمد نشار رافقتها رقصة مولوية.
مرايا الصورة لا الهيولى
والملفت أن هذا المهرجان الشعري الشبابي يحاول الخروج عن مألوف الأمسيات التقليدية بين توظيف للشاشة للتعريف بالشعراء الذين تنوعت دراساتهم العلمية، وقراءة لأشعارٍ متنوعة مع الموسيقا من وراء الكواليس، والختام بفقرة إنشادية تراثية، والملفت أيضاً حضور “الخمرة” ودلالاتها ورموزها مثل “الدن” و”السُكر” و”السكارى” بكثرة في أغلب القصائد، وكذلك في ديكور المسرح وكأنها وحدها الدالّة على الشطحات الصوفية، إضافة إلى تدوير إنتاج المحاكاة لدى البعض، رغم حضور العديد من الصور الشعرية لدى الشعراء الشباب واعتمادهم على البحور والتفعيلة، متفائلين بأن هذه التجربة ستخوض في الأبعد مستقبلاً بين فلسفة الصوفية وروح المعاني التي تمنينا أن تظهر أكثر في القصائد وأثناء الإلقاء، لأنها، بالتالي، لن ترى الشعر فحلاً والنقد أنثى، كما تمنينا أن يكون الحضور المحتشد أكثر إصغاء وبلا تشويش!.