أفريقيا وفلسفة النظام السياسي الأمريكي
ترجمة: عائدة أسعد
في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول الفائت، دعت الولايات المتحدة 49 دولة أفريقية إلى قمة لإعادة تشكيل العلاقات، لكن تلك القمة التي أعلنتها واشنطن كحدث ذي أهمية كبرى لم تدع للتفاؤل مطرحاً، لا بين الضيوف، ولا بين الشعوب الأفريقية، فقد كشف استبعاد بعض البلدان على أساس معايير انتقائية وأحادية الجانب.
لقد أثارت القمة تساؤلات بين العديد من الأفارقة تتعلق بشكل أساسي بما يلي: فلسفة النظام السياسي الأمريكي، وروح الحرب الباردة التي تغذي السياسة الخارجية الأمريكية، والطريقة الأحادية والإمبريالية لهذه السياسة التي تستهدف بقية العالم، وخاصة أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
إن التاريخ المعاصر يعلمنا أن الولايات المتحدة بلد سيئ السمعة ومزعج وبطل الهروب من الفوضى والخراب الذي تخلقه، وهي بلد يتميز بالحروب التي نشبت باسم الديمقراطية على النمط الأمريكي، وهي لم تنتصر في حرب أبداً، لكنها تترك الدمار في كل مكان في طريقها عبر القارات، ومن بينها الحروب التي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على أفريقيا، ففي حرب فيتنام في عام 1975 فرّ الجنود الأمريكيون مثل الأرانب أمام الجنرال جياب فو نجوين، وفي حرب أفغانستان تخلت أمريكا عن العديد من حلفائها على مدرج مطار كابول، وفي عام 2003 دمرت العراق باستخدام دليل مزيف، وتسبّبت بمقتل الآلاف، وتركت البلاد في حالة من الفوضى والخراب، وكذلك الأمر في حرب الصومال حيث تجلت إهانة حقيقية في صور جثث جنود أميركيين تُجر على الأرض، وفي حرب ليبيا دمر الناتو والولايات المتحدة البلد، ومنذ ذلك الحين وليبيا في حالة من الفوضى.
إن دول الساحل، بما في ذلك مالي، تعيش في الإرهاب الذي تولده الولايات المتحدة، فواشنطن لم تجد طريقة أفضل من أن تقرّر تقليص عدد موظفيها الدبلوماسيين إلى الحدّ الأدنى، وطلبت من الأمريكيين مغادرة مالي، واستدعى وزير خارجية مالي السفير الأمريكي للتعبير عن رفض مالي للعمل العدواني.
وعلى الرغم من أن الإرهابيين دمروا، في 11 أيلول 2001، أبراج مركز التجارة العالمي، وهاجموا البنتاغون، رمز القوة الأمريكية، لكن لم تقم أي سفارة أفريقية في واشنطن بإجلاء موظفيها الدبلوماسيين، أو تشجيع مواطنيها على مغادرة الولايات المتحدة، كما قُتل أعضاء البعثة الصينية لبناء السكك الحديدية في هجوم إرهابي في فندق راديسون في باماكو، وتم اختطاف عمال صينيين أثناء العمل على طريق باماكو نارا، ولم تقم الصين بتخفيض عدد موظفيها الدبلوماسيين، ولم تحثّ مواطنيها على مغادرة مالي، لأنه في الأوقات الصعبة يتمّ التعرف على الأصدقاء الحقيقيين.
إذاً ما الذي يجب أن يتوقعه الأفارقة من الولايات المتحدة في فترة التوتر الاقتصادي والسياسي هذه؟ لطالما اعتبرت الولايات المتحدة أن أفريقيا قارة منسية، ولم يكن لديها سياسة محددة لأفريقيا.
إن الولايات المتحدة قلقة للغاية من أن جزءاً كبيراً من الدول الأفريقية لم يدعم الغرب ضد روسيا في الصراع في أوكرانيا، وقد دعا دونالد ترامب، سلف جو بايدن، إلى “أمريكا أولاً” وأهان الأفارقة بتسميتهم بأسماء، كما أعلن بايدن بفخر في بداية ولايته أن “أمريكا عادت”. وفيما يتعلق بالحملات الانتخابية مع القادة الأفارقة، أصدر إعلانات تتعلق بتخصيص مقعد للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإطلاق 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة في مجالات التكنولوجيا الرقمية، والبنية التحتية، والصحة، ومكافحة تغير المناخ، والطاقات المتجدّدة، وتعزيز الحكم الرشيد، والديمقراطية، ومجال الأمن، وقال: “لكن الولايات المتحدة ستفعل ذلك بناءً على قيمها.. إنها في حمضنا النووي”.
لسنوات، أثبتت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والقوى الغربية من جانب واحد ضد دول أخرى، بما في ذلك أفريقيا، أنها تأتي بنتائج عكسية. وبالنظر إلى العقوبات المفروضة على بوروندي، وبوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا وجمهورية غينيا، وليبيا، ومالي، والصومال، وجنوب السودان، وزيمبابوي، يجب أن يتذكر القادة الأفارقة بأن كلاً منهم ضحية محتملة لسياسات الولايات المتحدة.