كثافة واضحة لدورات التنمية البشرية.. بيع للوهم أم حاجة ضرورية لا بد منها؟
كثرت في الآونة الأخيرة دورات التنمية البشرية سواء التي تقام من قبل مؤسسات حكومية أو مراكز خاصة مرخصة أو حتى غير مرخصة، وبمجملها تطرح عناوين براقة جاذبة للشباب بهدف تطوير مهاراتهم وتمكينهم من التعامل بشكل جيد مع الوسط المحيط بما يحقق الكفاءة والتفاعل في العمل، خاصة بعد أن أصبحت فرص العمل نادرة وغير تقليدية، حيث سوق العمل لا ترضى اليوم بأي شهادة، وهذا ما يفسر تزايد إقبال الشباب على مثل هذه الدورات في محاولة منهم لاستفزاز ملكاتهم الإبداعية وقدراتهم بشكل يرفع من حظوظهم في الحصول على الأفضل له ولمجتمعه، ولكن بذات الوقت هناك من لا يؤمن بهذه الدورات ويعتبرها ضياع للوقت!.
شحذ نقاط القوة
المدرّبة الدولية في التنمية البشرية ولاء لحلح وصفت التنمية البشرية بأداة لا بد منها وضرورية لتطوير مهارات الإنسان وقدراته العقلية والفكرية وتطوير ذاته من خلال التركيز على نقاط القوة بشخصيته وتنمية مهاراته الإبداعية وإتقان إشارات وحركات لغة الجسد، والأهم برأيها زيادة القدرات والمهارات للارتقاء بالفكر الإنساني وتطوير العناصر الإيجابية في عقلية الفرد وشخصيته حتى يكون قادراً على التخلص من الأفكار السلبية، والعقبات التي ممكن أن تواجهه في حياته.
أما بالنسبة لفوائد دورات التنمية فذكرت لحلح أنها تساهم في تحقيق الأهداف المتعدّدة لزيادة إدراك الشخص بما يريد تحقيقه في حياته المستقبلية وبناء فرد قويّ قادر على مواجهة المجتمع وتغيّراته المختلفة وتطوير قدرات التفكير الايجابي لدى الفرد، وتعزيز الدافع الداخلي للعمل والإنتاجية الأفضل، خاصة وأن التنمية البشرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة الثقة بالنفس وعدم التردّد في تحديد الأهداف، واتخاذ القرارات.
يسرحون ويمرحون!
لا شك في أن تختلف وتتعدد الآراء والأفكار حول علم التنمية البشرية ودوراتها، فهناك من يعتقد أن دورات التنمية البشرية مجرّد كلام وهمي لا فائدة منه، وبعضهم يعتقد أنها تقام لأرباح مادية فقط، بهذا الخصوص انتقد عدد من الشباب الفوضى في دورات التنمية البشرية مشيرين إلى غياب الرقابة عليها مما جعل المدربين غير المؤهلين يسرحون ويمرحون، فهم لا يملكون الخبرة ولا المقدرة الكافية على التدريب، وكل همهم الربح السريع، وبذات الوقت انتقدوا عناوين الدورات التي لا تخدم تنمية المجتمع ولا تعزيز مهارات الشخص المتدرب، ولا تنسجم بالمحصلة مع مشروع الإصلاح الإداري في مؤسساتنا، وهنا دعا العديد من الشباب والمدربين وزارة التنمية الإدارية لممارسة رقابة شديدة على تلك الدورات وإيقاف المدربين عديمي الخبرة وغير المؤهلين لتقديم ما يفيد المتدرب ومؤسسته.
لملمة القوى
شيرين درويش “تعمل في التوجيه التربوي” ذكرت تجربتها لـ”البعث” والتي تتلخّص في تغيّر حياتها بشكل جذري بعد فقدانها فرداً من أفراد عائلتها ومسؤولياتها الكبيرة في تربية أبنائها، الأمر الذي أدّى إلى سوء حالتها النفسية لفترة كبيرة، ولكن عند قرارها الخروج من هذه الحالة اتجهت نحو التدرّب على البرمجة اللغوية العصبية، والتربية الخاصة، والذكاء العاطفي، وعلم الطاقة والحروف، واتبعت عدة دوراتٍ في التنمية البشرية حيث كانت نتيجتها إيجابية جداً –بحسب قولها-، حيث بدأت بالنظر إلى الأمور بشكل مختلف والعمل على تحقيق الأهداف خطوة تلو الأخرى، والإضاءة على النقاط التي تستطيع من خلالها أن تتقدّم وتنجح بشكل أكبر، وذكرت أن دورات التنمية البشرية تساعد المرأة في التوعية واتخاذ القرار والمكان المناسب لأنها تتحمّل أعباء كثيرة من تربية أطفال وتأمين حياة جيدة لهم، وذلك يعتمد بالدرجة الأولى بحسب درويش على الإرادة الموجودة ثم المعرفة والعلم الذي يعدّ سلاحاً ذو حدّين، لذلك يجب معرفة كيف يتم تثبيت الخطوات وتحديد الأهداف واستثمار المعلومات المقدّمة للمتدرب بشكل كبير ومعرفة كل خطوة إلى أين ستصل، وبينت درويش أنها بعد اتباعها لعدة دورات أصبحت تعمل بالشكل الصحيح وحققت أفضل النتائج في حياتها، من خلال كيفية التعامل الصحيح مع أبنائها ومع المجتمع كله، وبينت أن دورات الدعم النفسي والاجتماعي قدّمت الفائدة لها وأصبحت تعمل على تطبيق هذه المعلومات من خلال دعمها لطلابها بشكل أكبر من خلال تجربتها الشخصية، وبذلك تتم الاستفادة وتقديم الإفادة للآخرين في الحياة العملية.
نظرة إيجابية
وقالت رشا إسماعيل /مدرّبة أيروبيك/ : إذا كانت الرياضة تحقق راحة نفسية وجسدية وتعمل على استخراج الطاقات السلبية من جسم الإنسان، إلا أن كل شخص يحتاج إلى التنمية البشرية فهي تعمل على تغيير الفكر والنظر إلى الأمور بشكل مختلف وإيجابي أكثر وتسهم في محاولة السعي إلى تحقيق الأهداف.
تعقيد الحياة
وأكدت الدكتورة رشا شعبان أخصائية في علم الاجتماع أن أهمية التنمية البشرية تزداد مع تعقيد الحياة الاجتماعية والحياة اليومية وزيادة المشكلات بشكل كبير فهي تمكننا من فهم أنفسنا بطريقة صحيحة وفهم المحيط بنا وكيفية التعامل مع المشكلات التي تواجهنا من خلال فهم الذات وفهم الآخرين، وخصوصاً بعد زيادة الضغوط والمشكلات التي أدت لتراكمات داخلنا وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية فأصبحنا أكثر حاجة لتنمية المهارات والقدرات والكفاءات البشرية لكي نواجهها بشكل انجح وأنجع فمن المهم تمكين الآخرين لفهم المشكلة وسببها وكيفية تجاوزها وحلها وطريقة التعاطي مع الآخرين لأن أغلب المشكلات التي نتعرض لها هي بسبب عدم فهمنا للآخر وعدم امتلاك طرق صحيحة بكيفية التعامل ومن الممكن المساهمة ونشر ثقافة التنمية البشرية وذلك عن طريق الإعلام أو من خلال دورات تتعلق بكيفية استقبال المشكلات وتجاوزها.
ويبقى أن نؤكد أخيراً على أهمية تشديد الرقابة على دورات التنمية البشرية لوضع حد للفوضى سواء لجهة المدربين أو حتى برامج التدريب غير المعتمدة، وذلك بهدف تصويب مسارها وتحقيقها لأهدافها المرجوة في تنمية القدرات والمهارات الحياتية والكفاءة الإنتاجية في المؤسسات.
وفاء سلمان