مفارقة “بيدرسون” و”عصبة الأربعة”
أحمد حسن
المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، وجد – كما قال في إحاطته الأخيرة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي – أن الحلّ السياسي لهذه الأزمة “ذات الأبعاد الملحمية” ليس وشيكاً، أما الطريق لتقريب موعد الحلّ فقد أجمله الرجل بـ 6 أولويات ضرورية للمضيّ في “عملية سياسية تستند إلى القرار 2254، تقودها المنظمة الدولية، وتحتاج إلى وحدة من كل أطراف المجتمع الدولي”.
في المبدأ، هذا كلام جميل ومنطقي، لكنه وبعد أن قال: إن “الشعب السوري لا يزال محاصراً في أعماق أزمة إنسانية وسياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية بالغة التعقيد بنطاق لا يمكن تصوّره تقريباً”، وبدأ في تعداد أولوياته وعلى رأسها “الحاجة إلى التراجع عن التصعيد”، توقّف عن الكلام المباح ما جعلنا نتوقّف عن متابعة تعداد بقية أولوياته، لأن الرجل الذي تحدّث عن “أعمق أزمة إنسانية” لم يجرؤ أن يتحدّث مباشرة عن أهم سلاح تصعيدي في المرحلة الحالية، وهو دور العقوبات الأحادية القسرية والظالمة وغير المشروعة التي يطبّقها “كبار” أعضاء مجلس الأمن الذين يتحدّث أمامهم في ذلك، بل صمت صمت القبور عن قيام “كبيرتهم” التي علّمتهم السحر، واشنطن، بسرقة مقدّرات وثروات الشعب السوري علناً، ومنعه من الاستفادة منها، وإعلانها الرسمي، مع شركائها، منع إعادة الإعمار، وتهديد الدول التي تفكّر مجرد تفكير بذلك، ومخاتلتهم في تنفيذ ما سمّي مشاريع التعافي المبكر، وفي كل ما من شأنه أن يؤدّي إلى “التراجع عن التصعيد”.
بيد أن الأمر لم يتوقّف عند ذلك، فالمبعوث الأممي الذي وضع الحلّ السياسي أولاً، أضاع – في قضية كالقضية السورية – البوصلة الحقيقية، لأن طرحه هذا في اللحظة التي يسرح ويمرح فيها عشرات آلاف الإرهابيين في الجغرافيا السورية يعني – سواء كان قاصداً أم لا – إشراك هؤلاء في الحلّ، بل وضعه تحت رحمتهم وتكييفه لمصلحتهم، وهو أمر لن نقول فيه، إذا أخذنا حسن النية بعين الاعتبار، سوى أنه يتفق بالكامل مع سعي واشنطن وأنقرة، كلٌّ لأسبابه، لإشراك أمثال جبهة “النصرة” باسمها المستعار، “هيئة تحرير الشام”، وأضرابها، بالحلّ السياسي المزعوم.
أما القرار “2254” الذي أعاد بيدرسون التذكير به، واجتمعت عصبة الأربعة – واشنطن ولندن وباريس وبرلين – بالتزامن مع إحاطته السالفة الذكر، لإعلان “دعمهم الثابت لجهود بيدرسون من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع السوري بما يتماشى وقرار مجلس الأمن رقم 2254″، فلم يقولوا، وبالطبع لا يجرؤ بيدرسون على القول، كيف يمكن تطبيق بنوده التي تنصّ على حوار سياسي “بقيادة سورية” بينما واشنطن ذاتها، ومعها هذه “العصبة”، تحاول استبدال ما يسمّى “الائتلاف”، بحجّة أنه مُقاد تركياً، بفريق آخر مُقاد بالمطلق منها للمشاركة في هذا الحلّ؟!
وبالتأكيد، يمكن القول إن هذه “الإحاطات” و”التوصيات”، على افتراض حسن النية مرة جديدة، ليست سوى إضاعة للبوصلة، وربما يمكن القول إنها، من فرط تكرارها، أصبحت طوراً من أطوار العدمية لدى البعض، ولا تعكس برطانتها الثقافية و”تلطّيها” خلف كومة مصطلحات مقطوعة الصلة بالواقع الفعلي أي أمر مفيد، ولا تنفع سوى في التوظيف الهابط في معركة الإقصاء التام والاقتلاعي للسوريين عن معركتهم الحقيقية وتسليم قيادتها لـ “عصبة الأربعة” وسواها، وهو ما أثبت السوريون الذين لم يضيّعوا البوصلة يوماً، وبدمائهم، أنه قرين “الغول والعنقاء والخلّ الوفي” مهما طالت المعركة ومهما عانوا خلالها والأيام قادمة.. وحبلى أيضاً.