لعبة “المنافسة” و”الاحتكار” في دوائنا.. ابتزاز رخيص!!
قسيم دحدل
حين يصرّح نقيب صيادلة دمشق مؤكداً أن 30% من الأدوية المفقودة توافرت منذ أن تمّ رفع سعرها، ويتوقع أنه خلال الـ 10 أيام القادمة سيتمّ توفير معظم الأدوية المفقودة، وبالتالي سيشهد قطاع الدواء تحسناً كبيراً خلال الفترة المقبلة، فإن أول ما يتبادر للذهن السؤال: أين هي الهيئة المعنية والمسؤولة عن المنافسة ومنع الاحتكار، خاصة وأن العشرة أيام قد انقضت ولا يزال العديد من أصناف الدواء مفقوداً؟!
إن هذا التصريح لهو دليل قاطع على أن هناك مصانع ومستودعات تتعمّد الاحتكار، ليس فقط بحجة أن أسعار أدويتها لا تتناسب مع تكاليف إنتاجها، لذلك تمتنع عن تزويد الصيدليات باحتياجاتها من الأدوية التي اعتاد المرضى عليها، الأمر الذي يخلق حالة من الخلل في العرض والطلب، تكون نتيجته ما حصل من رفع أسعار عدد كبير من الأصناف وبنسب كبيرة وصلت في بعضها إلى 80% وأكثر.
ليس ذلك فقط..، بل ويلاحظ أيضاً أن هناك شركات أدوية ومستودعات عميلة لها، تتعمّد التقتير في تغذية سوق الدواء بمتطلباته من الأصناف التي تنتجها، لتصطنع حالة من قلة العرض، وبالتالي البيع بأسعار مضاعفة بحجة فقدان هذا الصنف أو ذاك من الأسواق، والأنكى في الأمر أن هذا يتمّ رغم حصولها على مرادها من زيادات في الأسعار!!
بالمقابل ماذا يعني، وكيف يمكن أن نفهم حين يقولون رداً على سؤال عن دواء اعتاده المريض لشركة محدّدة، أنه “مقطوع”، بينما يَظهر البديل بقدرة قادر، ويقولون لك هذا هو المتوفر حالياً، لنتفاجأ بعد رفع الأسعار عودة الدواء الذي كان مقطوعاً إلى رفوف الصيدليات!! في أي خانة يمكن إدراج ما يحدث في مثل هكذا حالات كثرت في الآونة الأخيرة؟! لا شك أن هناك لعبة قذرة لتسويق صنف جديد، لعبة تكشف أن هناك صراعاً خفياً بين حيتان صناعة الدواء، ضحاياه هم المرضى الذين ليس هناك – على ما يبدو – من يكترث بأوجاعهم ومعاناتهم المادية والصحية!!.
إذن هناك جشع واضح واستغلال صريح لحاجات المرضى الذي ابتلوا بمرض آخر وهو قلة الضمير عند استثمارات من المفترض أنها تتمتّع بقدر من الإنسانية، ما يميّزها عن غيرها من الاستثمارات كونها تتعامل مع أرواح تعاني العلة على اختلاف أنواعها ومعاناتها وآلامها.
مثل تلك الاستثمارات، لا بد من وضع حدّ لتجبّرها وتجاوزها لكل ما هو إنساني في الاستثمار، وعلى الجهات المعنية أن تتخذ بحقها أقسى درجات العقوبة، حتى وإن وصل الأمر – إذا ما تكرّر الأمر – إلى إلغاء ترخيصها.
وما يكشف هذا الواقع أن هناك أصنافاً عند سؤالك عنها يقولون لك: يوجد لها بديل.. والسؤال: أين المنافسة ما دامت لعبة (المفقود والموجود) قائمة وغير مفهومة؟!
أربع مرات تم رفع أسعار الدواء خلال أقل من عام، فيما لا يزال المرضى يتدرّبون على ابتلاع المصائب جرعة واحدة، وعلى كيفية الاحتيال على الأمراض التي تحتاج إلى أدوية وأطباء، كما يتدرّبون على التكيّف مع القضاء والقدر، حسب قول أحدهم.
لا شك أن هناك أكثر من قطبة مفقودة في واقع صناعة الدواء، لا تسمح لنا إلاَّ بالانقياد نحو الحكم على هذا القطاع الصناعي بأنه قطاع تجاري بامتياز لأنه بدا لا يعترف إلاَّ بالمال والمال فقط، وهذا برأينا فيه من الغباء والإهمال ما يجعلنا نجزم أن من يلجأ لتلك الأساليب في الحصول على المكاسب فقط دون مراعاة لقضية المنافسة، ليس بمستثمر راقٍ يسعى جاهداً للنهوض بهذه الصناعة وتطوير واقعها لتكون رائدة على الأقل إقليمياً. وإن كان في رأينا تحامل، فبماذا يمكن تفسير ما نشاهده مكتوباً على أصناف من الدواء بأنها للاستخدام المحلي فقط؟!!
إن وجود دواء من الصنف نفسه، أحدهما يصلح –كما هو مكتوب عليه – للاستخدام المحلي، والآخر للتصدير، فيه الكثير من “كان وأخواتها”، وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن أن يخسر “خبثاء” صناعة الدواء، وأبواب التصدير لأدويتهم مفتوحة على مصراعيها، ومن لديه أقارب يعملون في مصانع الدواء يعلم كم وحجم الطلبيات الموقعة عقودها مع دول أخرى. وإحدى المفارقات في هذا السياق أن يتمّ الحصول على دواء ما من دولة أخرى، لأننا وفجأة لا نجده في بلدنا، رغم أن معمله عندنا ويُنتج للسوق المحلية أيضاً، لكن بحجة التكاليف وعدم تناسب الأسعار يتمّ حجب الدواء في أسواقنا وحرمان مرضانا.. أية مفارقة هذه، وأي منطق، وأي استثمار، يستطيع إقناع الحكومة بفكرة أن رفع سعر الدواء مع توفره أفضل من فقدانه نهائياً!! إن هذا لهو ابتزاز رخيص يستدعي عدم التهاون فيه، وإلاَّ كنا شركاء فيه، ولغاية في نفس حيتان الدواء!!
Qassim1965@gmail.com