انسداد أفق الحل السياسي في أوكرانيا
ريا خوري
يبدو أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى حالة من الانسداد، ولم تعد هناك فرص للحلّ السياسي والدبلوماسي، وخاصةً مع ما كشفت عنه وزارة الخارجية الروسية من أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطّط لتسخين الأعمال العدائية في أوكرانيا على الأقل حتى نهاية عام 2025.
لقد تمّ إقناع الكونغرس بتضمين مساعدة إضافية لأوكرانيا تبلغ نحو 37 مليار دولار في عام 2023، حيث سيذهب النصيب الأكبر منها لاحتياجات الجيش الأوكراني من تدريب وتسليح، وبعد ذلك، سيتمّ تحديد أي منها يستقرّ في البنوك الأوروبية والعالمية والصناديق الخاصة.
ومع انسداد أي أفق للحل الدبلوماسي والسياسي، أو حتى التوصل إلى هدنة مؤقتة، أو وقف لإطلاق النار، ومع إصرار الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية على تزويد أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة المتطورة، وتحريضها على رفض إجراء أية مفاوضات مع روسيا، لا توجد أي آفاق لوقف هذه الحرب، وأنه سيطول مداها لسنوات قادمة.
لقد أكّد المراقبون والمتابعون لمجريات الحرب أن الرهان على تحقيق أحد الطرفين أهدافه الاستراتيجية والتكتيكية هو رهان ضعيف، فالهزيمة بالنسبة إلى روسيا ليست خياراً مطروحاً على الإطلاق، وهي على استعداد تام للمضي قدماً في الحرب إلى ما لا نهاية من أجل حفاظها على أمنها القومي الاستراتيجي. أما الشعب الأوكراني فإنهم يعلمون علم اليقين أنهم يخوضون معركة طاحنة ودامية بالوكالة عن الولايات المتحدة والدول الغربية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي التي ستكون أكثر من يدفع الثمن الغالي، إنسانياً واقتصادياً، وستفقد طموحاتها في التقدم والتطوير والتحديث، وستكون خسارتها الأكبر في بنيتها التحتية، ولن تتمكن مستقبلاً من لملمة جراحها.
من جهتها، الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية تدرك كل ذلك، وهي مصمّمة على مواصلة تلك الحرب المدمرة طالما أنها لا تدفع الثمن مباشرة، بل تدفع أموالاً طائلة وتقدم أسلحة ودعماً لوجستياً من بعيد، وإن كانت تداعياتها واستحقاقاتها بدأت تنعكس بشكلٍ سلبي وخطير عليها، وخاصة في المجال الاقتصادي، والتضخم المالي، وارتفاع أسعار السلع والبضائع والمواد الغذائية في معظم الدول الأوروبية، وانقطاع الطاقة، وبدء الاحتجاجات المتتالية التي بدأت بالإضرابات والتظاهرات الشعبية العارمة.
لقد أكّد العديد من الخبراء الأمريكيين الاستراتيجيين مراراً أن القتال والدمار سوف يستمران في أوكرانيا دون هوادة، وأن الهزيمة ليست خياراً مطروحاً بالنسبة للرئيس بوتين، وأن القيادة الروسية تعمل على الحفاظ على أمنها القومي الاستراتيجي، رابطين ذلك بما يعانيه الاقتصاد الأوكراني من ضعف وانهيار وحالةٍ من الفوضى، وأنّ ملايين الأوكرانيين فروا منها، وفقدت معظم بنيتها التحتية وقوتها الصناعية.
بهذا المدلول وهذا المعنى الواضح جداً، فإن شرايين الحياة الأوكرانية باتت مقطوعة تماماً، والسبب في ذلك ما قامت به الولايات المتحدة والدول الغربية من منع إجراء أي مفاوضات سلمية بين الطرفين الروسي والأوكراني، والإصرار على مدّ أوكرانيا بالمال والسلاح كي تواصل الحرب بالنيابة عنهما، وتكون هي الضحية والخاسر الأكبر.