تايوان كوقود لمدافع الولايات المتحدة
عناية ناصر
أظهر استطلاع حديث أجرته ” أكاديمية سينيكا”، المؤسسة البحثية الرائدة في تايوان عدم الثقة في مصداقية الولايات المتحدة داخل المجتمع التايواني، حيث يرى 56.6٪ من سكان تايوان أن الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة، حسبما ذكرت “إذاعة صوت أمريكا” مؤخراً.
وعادة ما تبحث “إذاعة صوت أمريكا” عن كبش فداء، إذ أشار التقرير إلى أن ما يقرب من 60 في المائة من سكان تايوان فقدوا الثقة في ضمانات الأمن الأمريكية، ولكنه أكد أيضاً أن نفس العدد من الأشخاص تقريباً يتطلعون بشغف إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات الدفاعية.
وذكرت “إذاعة صوت أمريكا”، نقلاً عن مراقبين، أن هذا التناقض يأتي من “الحرب الإدراكية” والتي هي حرب أيديولوجيات تسعى إلى تقويض الثقة الكامنة في كل مجتمع، ومن “التلاعب بالرأي العام” في البر الرئيسي الصيني. كما أن هناك مجموعة متزايدة من التحذيرات حول مدى مصداقية واشنطن بشأن الوعود الأمنية، وهذه هي الحقيقة التي يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها في نهاية المطاف.
في الصراع الروسي الأوكراني الجاري على سبيل المثال، والذي أثاره حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، تعهدت واشنطن بتقديم الدعم إلى كييف مراراً وتكراراً ، لكنها أوضحت أيضاً أن النقطة الجوهرية للمساعدة الأمريكية تكمن في ألا تشارك بشكل مباشر في الصراع. ما يعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل من أجل أوكرانيا، والتعهد بتقديم الدعم ما هو إلا مجرد ذريعة جذابة لاستغلال أوكرانيا في محاولة لإضعاف روسيا.
و هناك أيضاً الحرب الأمريكية في أفغانستان، فبعد 20 عاماً على الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، وجدت الولايات المتحدة أنها لم تحقق أية مكاسب من هذه الحرب بل الكثير من الخسائر فقط، ولذلك قامت بالانسحاب المتسرع بطريقة مشينة للغاية وغير مسؤولة. وخلال هذين العقدين، لم يطرأ تحسن على حياة الشعب الأفغاني، بل واصلت الولايات المتحدة تجاهل اللاجئين الأفغان، بمن فيهم أولئك الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة. واستناداً إلى كل ذلك ليست هناك حاجة إلى حرب معرفية أو تلاعب بالرأي العام، حيث يمكن لسكان تايوان رؤية ذلك واستنتاج ما يحصل بأنفسهم.
أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “الرأي العام في تايوان” غير الحكومية، عام 2020، أن 60٪ من سكان تايوان يعتقدون أن الولايات المتحدة سترسل قوات في حال اندلع صراع عبر المضيق. ووفقاً لاستطلاع آخر أجري في آب 2022، اعتقد 50٪ من سكان تايوان أن الولايات المتحدة سترسل “بالتأكيد” أو “من المحتمل” قوات في الحرب عبر المضيق، وربما يعتقد ذلك أيضاً القلة القليلة من الأوكرانيين. لكن مع مرور الوقت، أصبحت الأنانية أكثر وضوحاً في ما يسمى بالقيادة العالمية للولايات المتحدة، حيث يأتي سبب شك سكان تايوان في مصداقية الولايات المتحدة من الولايات المتحدة نفسها، بعد أن استفاق سكان تايوان على حقيقة أن الولايات المتحدة تتخذ الجزيرة كوقود لمدافعها، وغالباً ما تدعي واشنطن أن التزامها تجاه جزيرة تايوان “صلب للغاية”، لكنها لم توضح أبداً على وجه التحديد كيف سيكون دعمها صلباً.
عندما يتعلق الأمر بمسألة تايوان، لا تمتلك الولايات المتحدة الجرأة للتصادم وجهاً لوجه مع الصين، وذلك لعدم اتساق في السيناريو، فالصين مصممة على حماية سيادتها الإقليمية، وهناك إرادة راسخة للشعب الصيني مقابل حسابات الولايات المتحدة للمكاسب والخسائر الناجمة عن صراع خارجي وردود فعل الأمريكيين عليه، وفقاً لـ يانغ شي يو ، الباحث البارز في معهد الصين للدراسات الدولية.
تحاول” إذاعة صوت أمريكا” التأكيد على أن العديد من سكان تايوان ما زالوا يتطلعون إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية، والمساعدة في الدفاع عن الجزيرة، وتم خلق هذا الخيال من قبل القوى الانفصالية التي يمثلها الحزب الديمقراطي التقدمي، حيث تحلم القوى الانفصالية التايوانية أنها بمبيعات أسلحة كافية ستكون قادرة على ردع أي تحرك محتمل لجيش التحرير الشعبي تجاه جزيرة تايوان، وهذا ماهو إلا مجرد وهم.
إن الاعتماد على الدعم الأمريكي هو بمثابة دس السم بالعسل، وكما ذكرت ” إذاعة صوت أمريكا”، ففي عام 1979، قطعت العلاقات الرسمية الأمريكية مع الجزيرة، وهي الآن تتعامل مع تايوان مرة أخرى لمجرد أن واشنطن تعيد اكتشاف قيمة الجزيرة في محاولتها لاحتواء الصين، فإن لم تكن هناك مثل هذه القيمة، لن تكون هناك مبيعات أسلحة، ولن تكون هناك زيارات لسياسيين رفيعي المستوى على الإطلاق. ولذلك من الأفضل أن تنتبه القوى الانفصالية التايوانية أنه سيتم التخلص منها بمجرد أن تصبح عديمة الفائدة بالنسبة للولايات المتحدة.
إن مصداقية الولايات المتحدة على المحك، وقبل ملاحظة هذا الاتجاه بين سكان تايوان، بدأ عدد متزايد من حلفاء الولايات المتحدة يفقدون الثقة في ضمانات الأمن الأمريكي، ويجب ألا تلقي الولايات المتحدة باللوم في ذلك إلا على نفسها.