شبح الحرب يلوح في كوسوفو
سمر سامي السمارة
تعكس الممارسات المتهورة التي ظهرت خلال العام الماضي في أوكرانيا، وبشكل متزايد في البلقان الآن، حقيقة أن حرب الغرب الجماعية الفاشلة ضد روسيا قد جعلت أوكرانيا والأوكرانيين وقوداً للمدافع. ويبدو أن الحلّ الذي توصلت إليه القوى الغربية لإصلاح صورتها الملطخة هو حملة عدوانية لإنهاء “الأعمال غير المكتملة” في البلقان، والتي لا تحمل إلا دوافع ونوايا سيئة لهذا البلد. ويعتبر الغرب أن صربيا وجمهورية صربسكا هدفان دائمان له في البلقان، لأنهما حتى الآن صمدتا أمام الخضوع التام له، ويمكنه استغلال وضعهما الحالي غير المؤاتي لمواصلة المقاومة.
وعلى الرغم من مزاعم الحلف بتجسيد “مجتمع دولي” يتكون أساساً من كتلة دول الناتو/ الاتحاد الأوروبي، نجد أن الحلف يتحول الآن وبشكل متزايد كي يكون قاعدة للحرب، الأمر الذي يجعله يتجاهل الممارسات الدبلوماسية المعتادة، فمع الضغط الشديد لتحقيق نوع من الانتصار السياسي للتعويض عن فشله في أوكرانيا، أصبح الحلف أكثر ميلاً للقتال بلا أدنى شك، وهو يضع كلاً من صربيا وجمهورية صربسكا في موقف أكثر خطورة من أي وقت مضى، خاصةً وأن كلا البلدين بعيدان جغرافياً عن حلفائهما الطبيعيين، ومحاطان بأراضٍ معادية يسيطر عليها سياسياً وعسكرياً التحالف الغربي الذي يخطط لزوالهما. وبناءً على ذلك، فإن المقارنة مع وضع مملكة يوغوسلافيا، في ربيع عام 1941، لن تكون بعيدة عن الواقع.
واستكمالاً للمأزق الجيوسياسي المماثل، هناك نقطة إضافية مشابهة للوضع في صربيا، فالنخبة الحاكمة ضعيفة، ومتذبذبة، وقابلة للفساد، والخيانة، ومربكة، كما كانت حال الحكومة الملكية اليوغوسلافية، في آذار 1941، وذلك عندما لجأت ألمانيا النازية لعمليات القتل، وطالبت بإلزام يوغوسلافيا بالوقوف إلى جانبها في الصراع العالمي، أو مواجهة عواقب وخيمة.
يلجأ الآن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي إلى القتل وذريعته في ذلك هي كوسوفو، فقد تسلمت الحكومة الصربية مؤخراً إنذاراً نهائياً عليها أن تتخلى بموجبه عن “مزاعم” السيادة على كوسوفو التي يحتلها الناتو، وأن تؤيد بشكل قاطع التحالف المعتدي في الصراع في أوكرانيا. وقد نقل المطلب وفد من السفراء الغربيين على شكل تحذير شديد اللهجة من أن “التلاعب” حول كوسوفو يجب أن ينتهي بشكل عاجل، وقيل لصربيا إنه يتعيّن عليها أن تذعن دون تحفظ لسرقة مهدها الثقافي والديني بالتوقيع على انفصال كوسوفو، وقبول مطالبهم غير الشرعية.
تجدرُ الإشارة إلى أن احتلال كوسوفو قد بدأ في عام 1999، عندما قام حلف الناتو بعدوان غير مبرر ضد يوغوسلافيا، وتمّ استكماله في عام 2008 بإعلان “استقلال” كوسوفو من جانب واحد تحت رعاية الناتو. لكن، وكما هي الحال دوماً، فإن اهتمام الغرب الفعلي بـ كوسوفو لا علاقة له بالأسباب المعلنة، إذ يكفي معرفة أن كوسوفو هي مقر لمعسكر “بوندستيل”، الذي يعتبر أكبر قاعدة عسكرية في أوروبا، كما أنها تتميّز بموقع استراتيجي بحيث يمكن استخدامها في حالة تدهور الصراع الأوكراني إلى حرب عالمية شاملة.
في حال تمّ الحكم من خلال ردود الفعل الأولية لبلغراد، فمن المعقول أن تفكر الحكومة الصربية في مسار عمل مستوحى من انهيار الإرادة التي عايشتها الحكومة اليوغوسلافية الملكية، في آذار 1941، فعندما كانت تحت ضغط النازية فعلت ما أمرت به، ووقعت على التقيد بميثاق المحور. وللإشارة، فإن تبعات هذا الانهيار لم تدم طويلاً، ففي غضون أيام قليلة، أجبر الاستياء الشعبي في صربيا على إقصاء المسؤولين عن الخيانة المخزية، كما تمّ إلغاء الالتزامات غير الأخلاقية التي تعهدوا بها نيابة عن الشعب.
وإلى جانب صربيا، شهدت جمهورية صربسكا المجاورة، وهي كيان داخل البوسنة والهرسك غالبية سكانه من الصرب، انتخابات مضطربة أعقبتها محاولة لتحقيق تغيير النظام على طريقة الثورات الملونة، كما تمّ استهدافها وتعريضها للعقاب الشديد من قبل “الديمقراطيات” الغربية التي لا ترحم. ومثل سكان صربيا، فإن سكان صربسكا يقفون بقوة في “الجانب الخطأ من التاريخ” بشكل عام، وفي الصراع الأوكراني على وجه الخصوص، مع كلّ ما يترتب على ذلك من نتائج.
وبدرجة مماثلة من الإجماع، يعارض السكان والحكومة أيضاً أي علاقة بحلف الناتو، فبموجب شروط اتفاقية “دايتون” الموقعة في عام 1995، والتي بموجبها تحكم صلاحيات الكيانات البوسنية، والتي تمنع فعلياً دخول البوسنة إلى الناتو ومشاركتها في أنشطته.
لقد بات الرهان واضحاً، وفي حال تمّ حلّ قضية كوسوفو على طريقة رعاة البقر، فإن جمهورية صرب البوسنة ستكون التالية، حيث ستجد نفسها مرة أخرى مستهدفة بشكل نشط وفي خضم “المجتمع الدولي” الغاضب. وبطبيعة الحال، لا يزال من السابق لأوانه تسمية نتيجة الفصل الجديد المشؤوم الذي يجري التحضير له في أزمة كوسوفو، ولكن يبدو أن عاصفة كاملة ذات آثار مضطربة قد بدأت بالاقتراب، حيث تتجلى الآن اللامبالاة نفسها التي ظهرت خلال العام الماضي في أوكرانيا بشكل متزايد في البلقان.