“كأنك ما غزيت…؟!”
معن الغادري
من المؤكد أن اللقاءات الدورية لمجلسي المحافظة والمدينة، وبمعدل أربعة اجتماعات خلال العام الواحد، تشكّل محطات مهمّة لتقييم أداء العمل المؤسساتي، والغوص في التفاصيل ودقائق الأمور، وإجراء مراجعة متأنية لمجمل الخطط والبرامج ومحاولة تذليل ما يواجه المؤسّسات والمديريات من صعوبات إدارية وتقنية وفنية ومالية، وصولاً إلى حالة مثالية في العمل المؤسساتي والإداري، والتعاطي المنفتح مع متطلبات النهوض والتطور، وبالتالي تمكين هذه المؤسسات من القيام بدورها المطلوب وتنفيذ مهامها على أكمل وجه كداعم ورافع للعملية الإنتاجية والتنموية، وخاصة في هذه المرحلة العصيبة والتي تشهد تراجعاً ملحوظاً في مؤشرات النمو والإنتاج.
وفي الواقع.. الاجتماعان المتتاليان لمجلسي حلب منذ انتخابهما وحتى الآن لم يبتعدا عن أجواء اجتماعات الدورات السابقة لجهة الطروحات والنقاشات والمطالب والتوصيات المكررة والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن، على الرغم من كل الوعود، ما أفقد هذه الاجتماعات أهميتها وتأثيرها في القرار التنفيذي، ولاسيما أنها لم تنجح في إحداث أي فارق في المشهد العام، بل على العكس تفاقمت المشكلات والأزمات، وتعزّزت ثقافة الفوضى والفساد في معظم مفاصل العمل المؤسساتي.
وهنا التعداد يطول، بدءاً بملف المحروقات وليس انتهاء بملفات الحبوب والأمبيرات والأبنية الآيلة للسقوط والمواقف المأجورة والأسواق، وباعتبار أن هذه الاجتماعات تزيل كل الحواجز وتقرّب المسافات بين المواطن والمسؤول وتسهم في تعميق ثقافة العمل الجماعي والتشاركي، وتهدف إلى تلبية احتياجات المواطنين، والتخفيف من الأعباء الضاغطة الملقاة على عاتقهم، ينبغي إعادة النظر في صلاحيات المجلسين وفي الطريقة والأسلوب المعتادين في مقاربة الأشياء والأمور، وأن يكون التقييم مستنداً إلى قاعدة الحساب والثواب، كحجب الثقة عن أي مدير مقصّر، أو لا يملك الكفاءة والخبرة في قيادة عمل مديريته أو مؤسسته، وما أكثرهم في وقتنا الحالي، والذي يشهد فساداً وهدراً كبيراً بالجهد والمال دون رقيب أو حسيب!.
وبعيداً عن التنظير، نجد أن مسؤولية تطوير عمل المجلسين والخروج من القوالب الحاضرة والجاهزة والمعدّة مسبقاً، بعيداً عن المزايا والمكاسب الخاصة، ضرورة ملحة وحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى وبما يعكس جدية وحيوية مؤسسات الإدارة المحلية وحضورها المؤثر كداعم ورافع للقطاعين الاقتصادي والخدمي، وبما يحقق الشراكة الحقيقية المنشودة، وهو ما يجب انتهاجه وتكريسه عبر سياسات شفافة وخطوات مدروسة وبرامج هادفة، وأن تلقى الطروحات والمطالب الاستجابة والمعالجة ضمن مدد زمنية محددة ومتتالية، لا أن يتمّ تدويرها وترحيلها -كما درجت العادة- للاجتماعات التي تليها وربما للدورات القادمة “وكأنك يا أبا زيد ما غزيت!”.
ويمكن القول بل التأكيد إن الكثير من المشكلات والصعوبات بالإمكان تجاوزها وإيجاد الحلول الفورية لها دون الحاجة إلى الانتظار والتأجيل، فيما لو تولدت النوايا الصادقة، وكرّسنا ثقافة العمل الجماعي والمؤسساتي للمصلحة العامة، ولعلّ الأهم من كل ذلك أن يتخلّى المسؤولون عن عقلية الأنا والتي تزداد تورماً مع اتساع مساحة التبعية والولاء للفرد وليس للمؤسّسة!.