من دروس التاريخ.. الأسلحة لن تكون حلاً سحرياً
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
هناك مجموعة من الأسباب، مدعومة بأمثلة تاريخية، أن إرسال المزيد من الأسلحة المتطورة إلى أوكرانيا لن يكون حلاً سحرياً، بل على العكس من ذلك، فقد يرتد هذا السلاح ضد الولايات المتحدة في مرحلة ما، لكن حتى الآن يبدو أن الغرب مستعد لإرسال المزيد من معداته الأكثر تطوراً إلى أوكرانيا “لكسب المعركة”، حسب اعتقادهم.
من بين الذين يؤيدون مثل هذه الزيادة مهندسة حرب العراق كوندوليزا رايس، ووزير دفاع بوش وأوباما السابق روبرت غيتس، ففي مقال رأي أخير في صحيفة “الواشنطن بوست”، كتب الاثنان: “الوقت ليس في صالح أوكرانيا، وأوكرانيا تخسر حربها مع روسيا. بالنسبة للأمريكيين، حان الوقت للتصرف بشعور من الإلحاح”.
من الواضح أن هناك ضغط هائل من جانب صقور الولايات المتحدة لمنح أوكرانيا أسلحة أكثر تطوراً، لكن بالنظر إلى مجرى التاريخ، سيكون من الحماقة عدم الاعتراف بأن فتح خط تصدير الأسلحة – خاصة أفضل ما لدى واشنطن – يدعو إلى عدد من المخاطر والحقائق، حيث يمكن للعديد من العوامل الأخرى، مثل القدرة على التكيف، أن تتفوق روسيا على ميزة التكنولوجيا الأمريكية.
لذلك من الضرورة بمكان أخذ دروس الماضي في الاعتبار على الرغم من أنها ليست متشابهة في الحالة الأوكرانية، لأن التجارب القتالية العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان يجب أن تكون بمثابة جرس الانذار للإدارة الأمريكية وصقورها الذين يديرون اللعبة من الخلف، خاصةً لجهة إرسال أنظمة متقدمة إلى كييف.
تؤكد دروس تاريخ الحروب أن المزايا التكنولوجية مؤقتة، وهي تبقى مستمرة حتى يقوم الخصم بإجراء تعديلات للتخفيف منها. على سبيل المثال، خلال حرب الولايات المتحدة في العراق استطاعت المقاومة العراقية التكيف مع سلاح الولايات المتحدة، وفي كثير من الأحيان قامت بتعطيل تكتيكات التكنولوجيا الأمريكية.
اشتهرت حرب العراق بـ “الصدمة والرعب” في آذار 2003، حيث تم احتلال بغداد في أقل من شهر. ومع ذلك، لم ينته العراقيون من القتال بعد قتل وتشريد الكثير منهم، حيث انتقلوا إلى حرب المقاومة، مستخدمين الشوارع الضيقة للمدن المكتظة بالسكان ساحة معركة جديدة.
في أماكن مثل الفلوجة والرمادي وبغداد، حشد المقاومون العراقيون أعظم قوة مناورة في العالم في شوارع ضيقة مليئة بالعبوات الناسفة، المعروفة باسم “القنابل المزروعة على جوانب الطرق”. ربما كانت العبوات الناسفة قد مثلت التكيف الأكثر تأثيراً للحرب، والتي كان من أهم نتائجها أكثر من 60 بالمائة من القتلى الأمريكيين في العراق، في حين أن الغزو الأولي للعراق قد كلف أقل من 150 قتيلاً أمريكياً، وبحلول الوقت الذي أكمل فيه الرئيس أوباما الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2011، كان ما يقرب من 4500 أمريكي قد قُتلوا في قتال مدني طاحن مع ظهور حركات المقاومة التي قال عنها القادة الأمريكيون أنها لن تحدث.
وفي مثال آخر، لا يمكن إنكار أن “طالبان” قامت بتعديلات تكتيكية فعّالة على القوات الأمريكية خلال الحرب في أفغانستان، ومن المهم النظر في كيف أدى التعرض الموسع للتكنولوجيا الأمريكية إلى تعرضها للخطر واستخدامها ضد القوات الأمريكية نفسها.
من الموثق جيداً أنه مع انهيار الحكومة الأفغانية في عام 2021، استولت طالبان على ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من المعدات الأمريكية، وبعضها شق طريقه إلى أيدي تصنفها واشنطن في قائمة الأعداء أو المنافسين، لذلك من المهم وضع ذلك في الاعتبار حيث يتم إرسال الدفعة التالية من الأسلحة المتطورة إلى أوكرانيا المليئة بالمخاطر والفساد قبل الحرب، حيث ستقود تلك الأسلحة إلى عدم الاستقرار المطلق في البلاد، بل سيخلق المزيد من نقاط الضعف في الأسلحة الأمريكية، وبالتالي سيقود الى التفوق الروسي بلا منازع.
في غضون الأشهر القليلة المقبلة، سيتم تسليم بطاريات صواريخ باتريوت، ومركبات برادلي القتالية إلى أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، وعدت بريطانيا بـ 14 دبابة تشالنجر، ومعدات ميكانيكية كافية لتجهيز لواء، لكن ماذا ستكون النتيجة؟.
يبدو أن الشيء الذي لا تريد أن تدركه واشنطن وحلفاؤها هو أن الجيوش التقليدية لديها السهولة الكافية والقدرة على التكييف مع أي مجريات جديدة في ساحة المعركة. على سبيل المثال، في عام 2022، استحوذت أوكرانيا على ما لا يقل عن 20 نظاماً أمريكياً لقاذفات الصواريخ المتعددة “هيمارس”، وهي تقنية تمت مشاركتها سابقاً فقط مع حلفاء الناتو. بالإضافة إلى ذلك، يعد نظام المدفعية الصاروخي المتقدم أحد أعمدة مفهوم تصميم سلاح مشاة البحرية 2030، الذي يركز على الدفاع عن سواحل المحيط الهادئ من الخطر الصيني المحتمل.
في عام 2022، طلب الجيش الأمريكي مليار دولار لتمويل صواريخ دقيقة أطلقت بشكل أساسي من “هيمارس” لاستخدامها في المحيط الهادئ، لكن سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن روسيا لم تشارك التجربة الأمريكية في التنافس ضد “هيمارس”، مع الصين، التي تشارك معها في مناورات عسكرية بشكل منتظم، حيث يمكن أن يؤدي مثل هذا التطور إلى تدهور شديد في العناصر الحيوية لإستراتيجية المحيط الهادئ الجديدة قبل أن يتم تنفيذها بالكامل.
إلى جانب ذلك، يشير التحليل الذي أجراه “معهد أبحاث السياسة الخارجية” في واشنطن إلى أن روسيا قد تكيفت بالفعل مع وجود “هيمارس”، وقد يكون لديها بالفعل معلومات كافية لتتفوق على النظام. ووفقاً لتقرير روب لي، وميشيل كوفمان من معهد أبحاث السياسة الخارجية، أنه على الرغم من تأثير “هيمارس” الفوري على ساحة المعركة، تكيفت القوات الروسية في غضون أسابيع، مما قلل من فعاليتها بشكل كبير. أثناء تفصيل التعديلات الروسية ، كتب لي وكوفمان: “قد يكون التأثير الكلي لنظام “هيمارس” مبالغاً فيه، وقد تم تسوية تأثيره بعد الشهرين الأولين من الاستخدام في ساحة المعركة.”
لقد أثارت الحرب في أوكرانيا مشاعر قوية لأسباب مفهومة. ومع ذلك، لا ينبغي أن يدع هذا يقنع الولايات المتحدة وحلفاؤها بأن إغراق أوكرانيا بأسلحة أكثر تقدماً هو الدواء الشافي للصراع. علاوة على ذلك، سيكون من الحكمة أن تتذكر واشنطن كيف أدت سياسات مماثلة في أفغانستان والعراق إلى دفع الارتداد إليها.
هل ستحقق هذه الدفعة الأخيرة من الأسلحة المتوجهة إلى أوكرانيا بالنصر لواشنطن وحلفائها؟. حتى لو كان هذا ممكناً، هل تدرك واشنطن ما تتخلى عنه للقيام بذلك؟. يظهر التاريخ، بغض النظر عن مدى تقدم السلاح، سيكتشف شخص ما في النهاية طريقة لمواجهته.