مجلة البعث الأسبوعية

المستهلك يتكئ على الجهات المعنية لمراقبة الأسواق.. غياب”ثقافة الجودة”  يدفع التجار  لوضع هوامش أرباح غير مبررة!

 البعث الأسبوعية_ دمشق

لا تزال ثقافة الاستهلاك في مجتمعنا مرتبطة بالعادات والتقاليد أو بالحاجة اليومية دون الأخذ بعين الاعتبار مدى مطابقة السلعة للمواصفة أو على الأقل الانتباه إلى بطاقة البيان المرفقة مع السلعة لمعرفة مكوناتها وحيثياتها، ويكتفي المستهلك بأحسن الأحوال بالاطلاع على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية، ما يعني أن المواطن لا يزال لا يعي حقوقه تجاه ما يشتري ويقتني من سلع ومواد مسندا هذه المهمة إلى الجهات الرقابية المفترض أن تقوم بحمايته، ما أدى في نهاية المطاف إلى استغلال هذا الوضع من قبل بعض التجار والصناعيين لزج منتجاتهم بأسعار ربما تكون منافسة لكنها للأسف على حساب الجودة والنوعية.

الأضعف والأهم!

ورغم أن المستهلك هو الحلقة الأضعف في سلسلة حلقات الوساطة التجارية، ورغم  أنه العنصر الأهم في هذه السلسلة والأكثر قدرة على إعطاء الزخم أو منعه لحركة كل عنصر من عناصر السلسلة وضبط إيقاعها وتجييرها لصالحه وبالتالي تحقيق التوازن واستقرار الأسعار بما يتناسب مع وضعه المعيشي، وذلك من خلال إتباع أساليب تجبر التجار على طرح موادهم وسلعهم بأسعار تناسب دخله من قبيل مقاطعة السلع التي تتمرد وتجنح بالتحليق إلى حدود اللامعقول، إلا أننا نلاحظ أنه لا يزال يتكئ على الجهات الحكومية المعنية بمراقبة الأسواق وضبط أسعارها التي بدأ دورها ينحسر شيئا فشيئا في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي، وكأن لسان حال المستهلك يؤكد أنه لم يتهيأ معرفيا وثقافيا وسلوكيا للانخراط بنهج اقتصاد السوق!

من المسؤول؟

البعض حمل جمعيات حماية المستهلك مسؤولية التقصير في القيام بدورها التثقيفي تجاه المستهلك وعدم جديتها بدعوات المقاطعة واقتصارها على مقاطعة السلع والمواد عند ارتفاع أسعارها فقط، دون تحفيز المستهلك على مراقبة الجودة والنوعية ومقاطعتها عند اختلال هذه المعادلة.

في المقابل يرى بعض المراقبين أن للعولمة دورا كبيرا في التأثير على العادات الاستهلاكية معتبرين أن التقليد الأعمى هو سيد الموقف في هذه الحالة، علما أن مجتمعنا يمكن أن يخط لنفسه نهجا استهلاكيا – إن صح التعبير – يتناسب مع ثقافته وتراثه، وعلى كافة الشركات الإنتاجية المحلية أن تقوم بدراسة السوق المحلية لمعرفة احتياجاته كخطوة استباقية لضخ المنتجات المناسبة المنافسة من جهة السعر والجودة بالوقت ذاته.

تنمية الوعي!

اعتبر المختص بشؤون الجودة محمد صباغ أن إحداث دائرة أو قسم للدراسات والأبحاث في كل الشركات الإنتاجية العامة والخاصة بات حاجة ضرورية لإعداد دراسات تطويرية لمنتجاتها وتغيير مواصفاتها من ناحية الشكل واللون بين الفينة والأخرى، وذلك بغية تنمية وعي المستهلك إزاء النوعية وتلبية رغباته، إضافة إلى المواظبة بشكل مستمر على دراسة السوق لمعرفة أذواق المستهلكين والزبائن المحتملين، وقياس أطوار السلع والمنتجات وانسيابها في السوق حسب المستهلك.

كما شدد صباغ على ضرورة وأهمية وجود قسم خاص للإعلان –في كل شركة –لتنظيم حملات دعاية ضخمة تبرز جودة المنتج بعد تطويره، مشيراً إلى أن من شأن ذلك تعزيز وتقوية منافسة المنتج المحلي أمام الأجنبي ما ينعكس بالتالي إيجابا على الثقافة الاستهلاكية المحلية.

وحذر صباغ من تفاقم سيطرة البيروقراطية والروتين على إدارات الشركات – لاسيما العامة منها – التي لا تزال تتبع سياسة الباب المغلق أمام الشكاوي والاقتراحات والأفكار التطويرية..الخ.

جهل!

ثمة من يرى أن جهل المستهلك بالثقافة الاستهلاكية – إن صح التعبير- دفع بالتجار إلى التمرد والتفرد بوضع هوامش ربح عمادها الأساسي غبن المستهلك والطمع بربح وفير وغير مبرر، على اعتبار أن زمن التسعير والتقييد ولّى أدباره من غير رجعة ما أتاح المجال لهم ليكونوا سادة الموقف في تحديد أسعار الغالبية العظمى من المواد والسلع، وليقتصر دور وزارة  التجارة الداخلية وعبر أجهزة حماية المستهلك – بما يخص الأسعار – فقط بمراقبة الإعلان عن السعر دون التدخل به ، ما حدى بالبعض للمناداة بتفادي الخطأ والعودة إلى الاقتصاد الموجه وإعادة أسواقنا إلى زمن التسعير والرقابة التموينية على الأقل فيما يخص احتياجات المستهلك، إذا لم يكن هناك خطط وآليات من شأنها بالفعل حماية المستهلك من جشع وطمع من لا يأبهون إلا بالربح والربح فقط!

صحيحة ولكن!

في الوقت الذي يرى فيه الكثيرين أن الاقتصاد الموجه بات تاريخاً ولا يجوز العودة إليه لأنه بالأصل أثبت فشله، يرى الباحث علي حسن أن فكرة اقتصاد السوق الاجتماعي صحيحة، بيد أن المشكلة عندنا تتمثل بالحكومة التي لم تعط هذه الفكرة برنامجا واضحا، وإلى الآن لا أحد يفهم ما هو المطلوب من اقتصاد السوق الاجتماعي، وما عرفناه بعد التطبيق العملي له يتلخص فقط بتخلي الدولة عن الدعم.

وأكد حسن أنه لا يوجد دولة في العالم تترك اقتصاد السوق دون أن تتدخل وتجلى ذلك  في أزمة عام 2008 حيث كان هناك تدخل من قبل كل دول العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أنها اُتهمت بالتحول إلى الاشتراكية عندما اشترت أسهم وتدخلت لإنقاذ كبريات الشركات لديها من الإفلاس حتى لا ينهار المجتمع.

همّ حقيقي!

وبالعودة إلى الهم الحقيقي للمستهلك غير المبالي ربما بعدد الاتفاقيات التجارية الخارجية والبروتوكولات التجارية الدولية مع عدد من الدول، فهمّه الأساسي هو ضبط الأسواق المحلية واستقرار الأسعار لتأمين حاجياته الأساسية اليومية بما يتناسب مع دخله وإمكانياته، وفي ذلك يرى حسن أن الأسعار يوازنها السوق ولا حل لضبطها إلا بالسوق ولكنها تحتاج إلى إدارة اقتصادية فعالة للتوازن بين العرض والطلب لاسيما أنه لدينا الإمكانيات لتنظيم الأمور وتخفيض التكلفة عبر زيادة الإنتاج المحلي وتشجيع الصادرات ودعم الاستهلاك المحلي عن طريق الدولة بالنسبة للسلع التي فيها حرج إلى جانب تفعيل المنافسة الحقيقية.

صعوبة بلا شك!

لاشك أنه من الصعوبة العودة إلى الاقتصاد الموجه لأن الوضع لم يعد يسمح بذلك، فالكل يتجه نحو التحرير ولا يجوز أن نرجع إلى التقييد وأي عملية تقييد تحتاج إلى تكاليف، لتبقى مشكلة ارتفاع الأسعار في سورية والتي لا تتعلق بالاقتصاد الكلي بالدرجة الأولى، فلو أخذنا كل عناصر الاقتصاد الكلي ( الكتلة النقدية، العرض والطلب، السياسات الزراعية، الاستيراد والتصدير..الخ) لا نجد أن أي عنصر من هذه العناصر يمكن أن تؤثر على ارتفاع الأسعار، أي لا يوجد مؤشر اقتصادي كلي يمكن أن يشرح تغيرات الأسعار في الاقتصاد السوري يدل على مسؤولية الحكومة التي تتحمل القسم الأكبر عن فلتان الأسعار.

احتكار!

سبق وأشرنا إلى أن البحث في عوامل وعناصر الاقتصاد الجزئي يوصلنا إلى أن الاحتكار هو السبب في ارتفاع الأسعار رغم أننا لا نستطيع قياسه لكن نحس به وخاصة بالنسبة للسلع الغذائية الأساسية، فهناك من يتحكم بأسعار الخضار والفواكه، وأسعار السكر، الرز ..الخ. بالرغم أنها بالظاهر تخضع لقانون العرض والطلب، إضافة إلى العوامل النفسية وما يقوم به بعض التجار من رفع أسعار بعض السلع بشكل مزاجي دون مبرر، ليكونوا بذلك أسوة لغيرهم ومعيارا لتحديد الأسعار بشكل غير منطقي.

الأخطر!

لعلّ الأخطر في هذا السياق هو أن تغيرات الأسعار في سورية لا تخضع للنظريات الاقتصادية أو لمتغيرات السوق العالمية إلا في اتجاه الصعود –وفقاً لبعض المختصين- ولتحقيق استقرار الأسعار لابد من تقوية دور الدولة في الأسواق بحيث يمكن التدخل بإجراءات اقتصادية فعالة وليس بإجراءات إدارية تطلب فيها من التجار تخفيض أسعارهم، و بالتالي لابد على الأقل من وجود تقديرات للعرض و الطلب على السلع والتحرك قبل حدوث الأزمة، كما أنه لا بد من وجود سياسات على المدى الطويل تركز على استقرار الأسعار فآثار أي سياسة مالية و نقدية لن تظهر قبل ثلاث سنوات من بدء التطبيق.

تفعيل المنافسة!

ويركز الاقتصاديون على ضرورة تشجيع المنافسة من خلال تفعيل قانون المنافسة ومنع الاحتكار بحيث يضمن حماية المستهلكين، وعدم تركز القوى الاقتصادية بأيد قلة وتوزيع فعال للموارد في الاقتصاد لتأمين خيارات أكبر للمستهلكين.

كما أن من الأسباب غير القادرين على إثباتها في عدم استقرار الأسعار تتمثل بعدم وجود دور للدولة بشكل حقيقي في السوق، فهي موجودة نظريا فقط بالقانون، وسبب عدم وجودها إلى هيمنة كبار التجار على السوق، عبر الاحتكارات الضمنية والنوايا المبيتة.

أخيراً..

لا تزال الفجوة بين المستهلك والمنتج واضحة، ومعنى ذلك أن المستهلك سيبقى رهن واقع السوق غير المرضي والذي يزداد تردِّياً مع الصور القاتمة للواقع الحالي الذي تنبئ مؤشراته عن ازدياد في معدلات الفقر والبطالة بين أوساط شريحة واسعة من الشباب والبطالة المقنعة وغيرها من الصور التي تستدعي (عمليات جراحية) لا إبراً مخدرة، فكيف لمواد تفتقر إلى أدنى مستويات الجودة ولو بسعر زهيد أن تقود السوق إلى تحقيق الرضى الاستهلاكي والربحية المأمولة لدى البائعين الذين ببضائعهم المتواضعة لا يرتقون إلى مستوى المسؤولية عما يروجون، بينما المسؤولية الاجتماعية تعد العمود الفقاري لتوجه اقتصادنا الوطني.