شركة “تورش لايت” البريطانية للتجسس تستثمر في الأردن
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
كشفت وثائق مسربة أن وكالة أجهزة الأمن السيبرانية البريطانية- توفر معلومات استخباراتية للحكومة البريطانية وقواتها المسلحة – دربت سراً أجهزة الأمن الأردنية على تقنيات تُعرف باسم “استثمار الوسائط الرقمية”.
وبتمويل من وزارة الخارجية، كان يتم إجراء أكثر من ثلاث دورات تدريبية مكثفة على مدار الأسبوع خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني 2019 وآذار 2020، حيث يتدرب أفراد الفرع الخاص التابع لمديرية الأمن العام، الذين اختارتهم السفارة البريطانية في عمان، على أدق التفاصيل في “استثمار الوسائط الرقمية”.
من الناحية النظرية، كان الغرض من التمرين هو مساعدة “أجهزة جمع الأدلة في الأردن على استخراج البيانات بشكل فعال من الأجهزة الرقمية”، وتعزيز قدراتها التحقيقية، وتحسين مستوى الملاحقات القضائية لديها، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، وهذا بدوره سيمكن من تعزيز تبادل الأدلة بين عمان ولندن، وتعزيز التعاون العملياتي.
يرى المراقبون عن كثب أن الأهداف المعلنة رسمياً لبرامج الدعم الأمني والإصلاح المتنوعة التي قدمتها الحكومة البريطانية في غرب آسيا لا تتوافق مع الحقائق الكامنة وراء هذه الجهود، حيث أن الشركة البريطانية “تورش لايت”، والتي يديرها عسكريون سابقون في الجيش والاستخبارات في المملكة المتحدة من ذوي التصاريح الأمنية رفيعة المستوى، هم من قدموا هذه البرامج، كما كانت الشركة نفسها وراء التدريب المقدم للفرع الخاص في الأردن.
ووفقاً للتقرير الذي أحيل إلى وزارة الخارجية، مستنداً إلى زيارة ميدانية شاملة في عام 2018، كان مدراء العمليات بالفعل مجهزين بشكل مرض من حيث الأجهزة والبرامج لإستثمار الوسائط الرقمية.
التجسس هو الهدف
ومع ذلك، وجدت شركة “تورش لايت” أنه لم يتم تدريبهم بشكل كاف للاستفادة الكاملة من إمكانات المعدات التي يمتلكونها، فنظراً إلى الموارد المتاحة للمديرية، فإن هذه “الإمكانية” قد تكون مقلقة للغاية.
على سبيل المثال، لاحظت الشركة أن الفرع الخاص يستخدم مجموعة “سلبريت” من منتجات الذكاء الرقمي. وللإشارة فإن شركة “سلبريت” هي شركة تجسس “إسرائيلية” لديها عملاء تشمل حكومات متعددة، وتنتج تقنية قادرة على اختراق الأجهزة المشفرة واستخراج وتحليل جميع البيانات داخلها. وفي حين، ساعدت الشركة في حل قضايا قتل غامضة، فقد تم استخدامها بشكل كبير لرصد أنشطة نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين.
كما تثير الخلفيات المهنية لموظفي “تورش لايت” المشاركين في مشروع التدريب الأردني مخاوف إضافية، إذ أن رئيس الاستخبارات الرقمية في الشركة آندي تريمليت، المتخصص في الحرب الإلكترونية والسيبرانية، تولى مناصب عليا في وكالة استخبارات الاتصالات لأكثر من عقد.
وفي ذلك الحين، تم تكليفه بتوفير الدعم لأكثر المجالات تخصصاً وسرية في عمليات القوات الخاصة البريطانية، كما كان مسؤولاً عن تعزيز “البصمة الخارجية” للوكالة، ومنصة الإطلاق المحتملة، حيث منحته هذه المناصب خبرة واسعة في كيفية استخدام واستثمار المواد الرقمية، ودمج أشكال مختلفة من الاستخبارات في عمليات تجسس أوسع.
لم ترد تفاصيل إضافية في الوثائق المسربة حول قدرة تريمليت على استثمار البيانات الخاصة للأهداف، مع أنه أمضى جزءاً كبيراً من حياته المهنية في مجموعة الاستخبارات المشتركة للأبحاث حول التهديدات. علماً أن إدوارد سنودن، الذي عمل سابقاً في وكالة الأمن القومي الأمريكية قد كشف في عام 2014 عن وجود هذه الوحدة وتفاصيل عملياتها المروعة حقاً.
تتمثل المهمة الصريحة لتلك المجموعة في استخدام حيل قذرة لتدمير وإنكار وإحباط وتعطيل و تشويه سمعة أعدائها، وذلك، من خلال نشر معلومات سلبية عنهم عبر الإنترنت والتلاعب بالمناقشات في منتديات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
تُظهر الوثائق المسربة عن الأنشطة السرية لـ مجموعة الاستخبارات المشتركة للأبحاث حول التهديدات، أن هذه المضايقات وصلت لحد تغيير صور الملف الشخصي للأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف نقل مشاعر الرهاب إلى مستوى جديد تماماً، أو ببساطة إلغاء تواجدهم على الإنترنت، وكتابة منشورات مجهولة المصدر تدعي أنها عائدة لأحد ضحاياهم للإضرار بسمعتهم، وإرسال رسائل إلكترونية و نصية إلى زملائهم في العمل وجيرانهم وأصدقائهم، وترتيب الوقوع في “فخ العسل”.
وفيما يتعلق بالإستراتيجية الأخيرة، يصفها العرض التقديمي بـ”الخيار الرائع، والناجح للغاية عند تطبيقها”، مضيفاً: “اطلب من شخص ما أن يدخل إلى الإنترنت أو إلى موقع حقيقي لمقابلة “وجه مألوف” فإن لدى المجموعة المشتركة القدرة على “تحديد” المحيط في بعض الأحيان”.
كما قيل أن كتابة منشورات تجريمية على المدونات قد نجحت في عدد من العمليات المختلفة، حيث ذُكر “العمل بشأن إيران” بوصفه مثال فعّال بشكل خاص، من دون التوسع في الموضوع. وفي مكان آخر، كُشف عن قيام المجموعة المشتركة بتعطيل شبكة اتصالات حركة طالبان الأفغانية “بدرجة كبيرة” من خلال إغراقها بالمكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل الفاكس “كل عشر ثوانٍ تقريباً”.
من الواضح أن برامج “تورش لايت” التدريبية لم تكن معنية بالبحوث الرقمية في الدرجة الأولى، فهي في الواقع، وحسب الوثائق المسرّبة، كانت عمليات المجموعة المشتركة المتعلقة “باستثمار الإعلام الرقمي” معنية في الدرجة الأولى بوضع معلومات على الأجهزة الإلكترونية “المخترقة”، بما في ذلك “المعلومات الدامغة، عند الاقتضاء”.
في الأردن، يتعرض الصحافيون باستمرار للمضايقات والاعتقال والملاحقة القضائية من قبل السلطات بسبب تقاريرهم الانتقادية أو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي حتى ولو كانت معتدلة، حيث تتكرر الاحتجاجات بسبب تفاقم الضائقة الاقتصادية بين عموم الناس أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي فإن احتمالية تمتع الشرطة السرية في عمان بمهارات في الأساليب القذرة للمجموعة المشتركة، مثير للقلق، حيث تتضح سهولة استغلال هذه الأساليب لإفساد وتدمير حياة المعترضين و/أو سجنهم بتهم وهمية.
إن استعداد بريطانيا لتصدير هذه التقنيات إلى الأردن ليس مثيراً للدهشة.،كما أن قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل والمكروه على نطاق واسع، والذي يقيّد حرية التعبير على الإنترنت وحقّ المواطنين في الخصوصية، يجعل البلاد مسرحاً مثالياً لأنشطة لندن الشائنة في أنحاء أخرى من غرب آسيا، ويضمن سرية وجودها وأهدافها هناك.
على سبيل المثال، منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، قامت بريطانيا بتشغيل موقع على بعد 45 دقيقة بالسيارة من عمان، حيث دُرّبت مجموعات ارهابية في الحرب بالوكالة. توقّعت الملفات المسرّبة المتعلقة بهذا المشروع احتمال انضمام بعض هؤلاء الأفراد على الأقل إلى “جبهة النصرة وتنظيم داعش”، وسرقة المعدات واستخدامها. ومع ذلك، كانت وزارة الخارجية غير مهتمة لهذه الاحتمالات، على الأرجح بسبب وجود احتمال ضعيف بالكشف العلني عنها أو عن برنامج التدريب بشكل أعم.