تفجير باكستان بين التحديات الجمّة وتنويع التحالفات
تقرير إخباري:
يرتبط موضوع تفجير المسجد في بيشاور والذي خلّف حصيلة هي الأكبر والأعنف من بين الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ أعوام، بجملة من التناقضات والتحولات والتحديات الداخلية والخارجية البعيدة والقريبة، والتي ربما تمكن من معرفة الفاعل المستتر عن الحادث الكارثي.
فعلى صعيد مسرح العملية، نُفّذت في مكان محاط أمنياً، وكانت العبوة الناسفة المستخدمة كبيرة جداً ولا يسهل إخفاؤها – كما أوضحت المصادر الأمنية – ما يشير إلى تنسيقٍ استخباري عالٍ قبيل التنفيذ، كما أن بصمات المسرح هي بصمات حركة “طالبان باكستان” الإرهابية، أو تنظيم آخر يعمل تحت عباءتها، فمعروف أنهم يتبنون جميع الهجمات في باكستان، كما أنهم لا يختارون إلا أهدافاً رخوة، ويظهر هذا جلياً في العديد من الهجمات التي نفذوها ضدّ القوات المسلحة أو الأسواق أو أماكن العبادة، كما يُضاف إلى ذلك انسحاب “الحركة” منذ عدة أسابيع من هدنةٍ كانت وقعتها مع الحكومة، وهذا يقتضي بالضرورة تكثيف هجماتها الإرهابية.
وعلى الرغم من تنصّل الحركة وإدعائها أنها لا تنفذ عملياتها “في المساجد”، إلا أن أحد قادة الحركة تبنى العملية في تصريح له، وهذا ما يعكس نوعاً من الانقسام والاختلاف الإيديولوجي ضمن صفوف الحركة، وخاصة مع تمدد تنظيم “الدولة” الإرهابي في المنطقة.
وهناك سياق آخر يشير إلى أن الولايات المتحدة غير راضية على باكستان ومن الممكن أن تقف خلف هذه العملية، خاصةً وأن وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، صرّح علناً بأن واشنطن لا تهتم بما قدمته باكستان من تعاون في العقدين السابقين بل يهمها ما ستقدمه مستقبلاً، متناسياً أن هذه البلاد قدّمت أكثر من 80 ألف من الضحايا المدنيين والعسكريين في خضمّ “الحرب على الإرهاب” في جارتها أفغانستان، وتفسير هذا الموقف الأمريكي هو الغضب من رغبة باكستان في تنويع علاقاتها الخارجية وتحالفاتها بعد التقارب الباكستاني مع روسيا وتوقيع عدد من اتفاقيات الطاقة والنفط، في ظل تعطش البلاد لها، وما تشهده من أزمات التدفئة والوقود وانهيارات منظومات توليد الكهرباء بشكل كامل، وخاصةً بعد نكول إيطاليا عن تنفيذ اتفاقياتها لمدّ البلاد بالغاز المسال رغم أنها تمتد لما بعد العام 2030، ويضاف إلى ذلك أن الصين أصبحت الشريك الأول لها وستقوم بإنشاء عددٍ من المشاريع التنموية فيها ضمن مبادرة الحزام والطريق.
كذلك فإن الولايات المتحدة ترفض الإفراج عن أموال حركة “طالبان” في أفغانستان، فقد انسحبت وسلمت الحركة زمام الحكم بعد فشلها، وفي الوقت ذاته حرمتهم أية إمكانات لإدارة البلاد وضبط حدودها، أو حتى على الأقل لم تمنح تلك الأموال كمساعداتٍ للدول المجاورة لها، والتي تعاني الأمرّين في مسألة ضبط الحدود معها وفي طليعتهم باكستان، متذرّعة بملفات “حقوق الإنسان والمرأة” وغيرها من الحجج الجاهزة لعدم منح تلك الأموال.
وعلى صعيد الوضع الداخلي، جاء التفجير قبل يوم تقريباً من زيارة وفد من صندوق النقد الدولي إلى البلاد، بهدف منح حزمة مساعدات مالية معلّقة تمكنها من تخفيف حدة أزماتها الاقتصادية والسياسية في ظل الإنقسام الحاد بين الحكومة و”الإئتلاف المعارض”، ومن شأن مثل هذا العمل الإرهابي أن يفاقم الأزمات الداخلية ويزعزع الاستقرار الداخلي وزيادة المسؤوليات الملقاة على القوات المسلحة الباكستانية.
في الواقع إن أمريكا تحاول أن تجعل من باكستان – الدولة الكبرى متعددة الإمكانات – بلداً يغصّ بالأزمات، وهذا سببه الأول حروبها في جارتها أفغانستان وتنميتها للتنظيمات الإرهابية فيها والتي انقلبت عليها وسببت الويلات للعالم أجمع، ومحاولتها أيضاً عرقلة صفقات باكستان مع موسكو “وفق تصريحات وزير الخارجية الروسي”، حيث تريد أن تؤكد لباكستان أنها لم تعد من أولوياتها بعد إنتهاء المصلحة، كما أنها لا تريد لها أن تنعم بالاستقرار والتنمية بالتعاون مع أعدائها وهذا ما أكده تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن القائل: إن “باكستان تتحالف مع صديق عدوّ”.
بشار محي الدين المحمد