دراساتصحيفة البعث

سياسة الولايات المتحدة الخارجية.. من يقررها؟

سمر سامي السمارة 

يبدو للبعض السؤال سهلاً وبسيطاً، ففي العلن، يحدّد الرئيس، بمساعدة ومشورة مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، وبموافقة الكونغرس، السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما أنه يملك سلطة التفاوض على المعاهدات والاتفاقيات التنفيذية، وتعيين السفراء، بينما يتمتّع الكونغرس بسلطة الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات التنفيذية أو رفضها، وتأكيد تسمية السفراء. ويعتبر كلّ من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية مسؤولين عن تقديم المشورة والمعلومات المتعلقة بقضايا السياسة الخارجية للرئيس.

هكذا يتمّ تصوير السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، لكن واقع الحال يُظهر أن الأمر لا يجري بهذه الطريقة، فالولايات المتحدة أصبحت أداة في يد الأقلية الأوليغارشية الضاربة بجذورها في الرأسمالية، والتي يكون هدفها الأكبر هو الجشع وتحقيق الربح. لذلك، غالباً ما تكون السياسة الخارجية مدفوعة بمصالح الشركات القوية، ولاسيما تلك المرتبطة بالجيش، ومن هنا جاء المجمع الصناعي العسكري للرئيس أيزنهاور.

من الواضح أنه عند النظر إلى السياسة الخارجية، يجب على المرء دائماً مراعاة مصالح وول ستريت، وجيشها الصغير من جماعات الضغط، وخاصة مصالح الشركات القوية في صناعة الوقود الأحفوري، والصناعات المماثلة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار.

مرة أخرى، عند النظر إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة وقراراتها والتزاماتها، يجب على المرء أن يسأل أولاً من المستفيد الأكبر من القرارات المتخذة؟ هنا من الضروري أن يضع المرء في اعتباره القاعدة الذهبية، لأن من يملكون الذهب هم من يضعون القواعد، وهم الرؤساء، ووزراء الدولة والسفراء، ومن في حكمهم، لكن المصالح المالية تبقى مع وجود “الأموال السوداء” المتأصلة الآن في السياسة، والتي من الصعب تحديد من يعطي ولمن.

في خمسينيات القرن الماضي، كتب تشارلز رايت ميلز عن النخبة الحاكمة: “تميل الإدارة العسكرية العليا، والمسؤولون التنفيذيون في الشركات، والدوائر السياسية إلى الاشتراك معاً لتشكيل النخبة الحاكمة في أمريكا، حيث يمثل مثلث القوة هذا المفتاح لأي فهم للدوائر العليا في الولايات المتحدة اليوم”.

في الحقيقة تحرك وتحدّد هذه النخبة الحاكمة السياسة الخارجية للولايات المتحدة اليوم، حيث تشير الأرقام إلى أن ميزانية البنتاغون اليوم أصبحت 860 مليار دولار تقريباً، أي أكبر بـ14 مرة من ميزانية وزارة الخارجية البالغة 60 مليار دولار تقريباً. ما يعني ببساطة أن الدولة هي فرع صغير من البنتاغون، ما يجعلنا نتساءل من الذي يتخذ القرارات؟.

يميل البعض للقول إن لدى الأمريكيين الرأي حول سياسة بلادهم الخارجية، أليسوا هم من ينتخبون أعضاء الكونغرس، كما ينتخبون رئيسهم؟ ولكن عندما يتحول هذان الطرفان إلى شركات بالكامل، وعندما يستجيب كلاهما لجماعات الضغط والمصالح الخاصة بينما يتجاهلان بقية الأمريكيين، هنا تظهر حقيقة عدم وجود أي خيار وتأثير للأمريكيين العاديين.

قد يكون من الصعب على الأمريكيين تصديق هذه الحقيقة، لأنهم يفضّلون الاعتقاد بأن لديهم بعض الوكالات الحكومية، لكن الحقيقة مختلفة تماماً. ومع ذلك، تتظاهر النخبة الحاكمة بأن آراء الأمريكيين مهمة، حتى عندما يتمّ تجاهلها بشكل كامل، فبالنظر إلى أهم قرار يمكن لأي دولة أن تتخذه في سياستها الخارجية مثل الإعلان عن حرب أو إرسال قواتها للقتال خارج حدودها، لم تتخذ هذا القرار “كدولة” منذ كانون الثاني 1941، لأن كل حرب خاضتها أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية كانت غير معلنة.

سيخبر الأغنياء وأصحاب النفوذ “الحقيقة” التي يريدون تصديرها للأمريكيين، والتي عليهم أن يؤمنوا بها. لذلك، قيل للأمريكيين وتمّ إقناعهم بفكرة أن جو بايدن يتخذ قرارات مهمة للغاية في البيت الأبيض، حتى في الوقت الذي يواجه فيه صعوبة في القراءة من الملقن، وأن الكونغرس يمثل مصالحهم، في حين أن هذه المقولة لا تمت للواقع بصلة كما أثبتت دراسة جامعة “برينستون”.

استطاعت الإدارات الأمريكية وكذلك وسائل إعلامها الرئيسية خداع الأمريكيين بشأن سياستها الخارجية المتعلقة بتعزيز الديمقراطية في أماكن مثل أفغانستان والعراق وأوكرانيا، لكن القليل من البحث يكشف عن القوى والمصالح الحقيقية المعنية بالأمر، مثل النفط وخطوط الأنابيب والمعادن الإستراتيجية والهيمنة على السوق، وما شابه ذلك.

يتلقى الكثير من الأمريكيين المهتمين دورات جامعية قياسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن حتى في الجامعة لا يتمّ تعليمهم الكثير عن القوة الهائلة للمجمع الصناعي العسكري في أمريكا، والتأثير الهائل للشركات العملاقة، أو الطريقة التي تتشكل بها السياسة الخارجية من خلال الربح الاقتصادي والسعي وراء الموارد، والتي انعكس بعضها في الرأي القديم القائل إن “ما هو جيد لشركة جنرال موتورز هو جيد لأمريكا”.

مرة أخرى، إذا كانت قرارات السياسة الخارجية الأمريكية تثير حيرتك، من المؤكد أن الإجابة ستكون واضحة عندما تسأل نفسك: من المستفيد؟ وعندما تتذكر القاعدة الذهبية، فأولئك الذين يملكون الذهب هم من يضعون القواعد.