“المحتوى السّياسي والاجتماعي للنّصوص السّاخرة” أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع
نجوى صليبه
تحت العنوان ذاته، ناقش الطّالب أمجد حامد السعود أطروحة الدّكتوراه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم علم الاجتماع، وهي – بحسب العنوان الفرعي أو التّعريفي – دراسة تحليلية مقارنة لدلالات النّصوص الأدبية لفئة من الأدباء السّوريين في الفترة الزّمنية الممتدة بين عامي 1973 و2018.
وكما جرت العادة، وبناءً على طلب الدّكتور عدنان مسلم، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، والمشرف على الأطروحة، وعضو لجنة الحكم، قدّم السعود عرضاً موجزاً حول أهداف الدّراسة ومنهجها ونتائجها. يقول: موضوع الأطروحة امتداد لما قدّمته في مرحلة الماجستير وهو مكمّل لما جاء في بحث رسالة الماجستير الذي كان بعنوان “النّقد السّياسي والاجتماعي للرّسوم السّاخرة في الصّحف السورية”، فالفنّ والأدب ثنائي لا يمكن أن ينفصل عن المجتمع والدّراسات الاجتماعية والتّخصّصات التي تعدّ مشتركة في الأطروحة المنجزة على مستوى علوم الأدب أو الدّراسات الإعلامية أو الاجتماعية، وتنطلق مشكلة البحث من أنّ الحياة الاجتماعية لمختلف المجتمعات تبدأ وتنطلق من مخزونات معرفية اجتماعية مكتسبة من مؤسسات تنشئة اجتماعية مختلفة على مستوى التّعليم والتّربية وتندمج في شخصية الفرد على شكل سلوك فردي أو جمعي، وتشكل هذه المخزونات المعرفية رصيد أي مجتمع من الفنون والأعراف والتقاليد وتؤثّر وتتأثّر بما هو سائد في المجتمع من عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها، ومن أنّ الأدب بمختلف فنونه وأجناسه بما فيها السّاخر ما هو إلّا منعكسات منتجة معرفياً من حصيلة ما يختزنه الأديب من رصيد معرفي يجسّد على شكل منتج أدبي يقدّم للمجتمع كإعادة سياقة لما يعيشه أفراده على مختلف المستويات، مبيناً: الظّاهرة الأدبية ظاهرة اجتماعية وتعدّ تجسيداً لحياة المجتمعات، والأدب وليد هذه المجتمعات ولا يوجد أدب من دون مجتمع، كما أنّ المادّة الأدبية أو الفنية تلعب دوراً مهماً في التّواصل الاجتماعي.
ويذكر السعود في بحثه بعض الأدباء العالميين الذين تناولوا الحياة السّياسية والاجتماعية بشكل ساخر، أمثال سرفانتس “الدون كيشوت” وأبو خليل القبّاني، موضّحاً: ما يميّز الأدب السّاخر هو انطلاقه من بساطة الشّكل وعمق الطّرح، إضافةً إلى كونه سلساً على القارئ، وله تأثير زئبقي ومن الممكن أن يكوّن عقلاً جمعياً ورأياً عاماً تجاه القضايا التي يتناولها، مضيفاً: لقد تطوّر هذا الأدب ليساير التّغير المجتمعي، والمجتمعات العربية غنيّة بهذا الجنس الأدبي، وهذا يرجع إلى التّعدد وما نتج عن الاستعمار من ثقافات دخيلة وتخبّط أيديولوجي وتسارع في التّحولات السّياسية، ومنوّهاً بأنّ هناك سخرية بنّاءة وأخرى ذات صبغة نفعية يستغلها الأديب من أجل تحقيق مصالحه.
أمّا الأنموذج الذي اختاره السعود في بحثه فهو أدب دريد لحام وممدوح حمادة ومحمد الماغوط خلال الفترة الزّمنية المذكورة آنفاً، منطلقاً من سؤال رئيسي هو: هل جسّدت النّصوص الأدبية السّاخرة الواقع الاجتماعي خلال هذه الفترة الزّمنية؟ ومنه تتفرّع أسئلة أخرى حول قدرة النّصوص السّورية السّاخرة على مواكبة الواقع السّياسي والاجتماعي والاتّجاه الأدبي لهذه النّصوص المستخدمة في المسرح والدّراما، وحول ما إذا كان للانتماءات والخلفيات السّياسية والاجتماعية والثقافية أثر في نوعية الطّرح في تلك النّصوص، إضافةً إلى هامش الحرية المتاحة لنصوص الأدباء موضوع البحث.
يعتمد السعود في بحثه النّظرية التّفاعلية الرّمزية لتحليل تلك النّصوص، وهذا ما لم يجده الدّكتور أحمد أبو راس الذي آثر القدوم من جامعة حلب والمشاركة في تحكيم الأطروحة، متكبّداً عناء السّفر والظّروف الجوية، يوضّح: هناك نقاط مضيئة في البحث، وأجملها تناوله التّأثير الأدبي والفنّي لرجل أدبي وأكاديمي وممثل مهمّ ما يزال على قيد الحياة، هو دريد لحام، لكنّي لاحظت أنّ هناك عملاً إحصائياً فقط من دون تحليل للحدث، أو المادّة موضوع البحث، أي يجب أن نهتمّ بالكيف لا بالكمّ فقط، مضيفاً: مشكلة البحث طويلة، وفيها الكثير من الاقتباسات، وأنا لا أحبّذ ذلك، وهناك مصطلحات بإمكاني العودة إلى المراجع والتّعرّف عليها، لكنّها ستمرّ على القارئ العادي من دون أن يفهمها، لذلك يجب توضيحها، كما أنّنا نلجأ إلى الدّراسات السّابقة لتحقيق مكاسب ونعرف أين يقع بحثنا أو دراستنا منها، لكن في هذا البحث انتهت الدّراسات من دون أن أجد موقف دراسة الباحث منها.
وعلى خلاف الدّكتور أبو راس الذي رأى أنّ الفترة الزّمنية طويلة جداً، ومرّ خلالها على سورية ثلاثة أحداث مختلفة لا تقاطع أو تشابه فيما بينها، بيّن عضو لجنة الحكم، الدّكتور أسعد ملي، أنّ الطّالب كان موفّقاً في اختيار النّماذج وفي اختيار فترةً زمنيةً تعجّ بالأحداث، مضيفاً: لقد أعجبني هذا العمل وهو من الأعمال القليلة التي تحوز على رضا شبه كامل، لكن هناك بعض الملاحظات المرتبطة بالمنهج، منها أنّ الطّالب لم يذكر المنهج المتّبع، كما أنّ أهمية البحث العلمية هي أهداف البحث ذاتها –تقريباً – لذلك لا حاجة لتكرارها، إضافةً إلى وجود أدباء مهمّين في هذا المجال لم ترد أسماؤهم في الرّسالة.
ويضيف على هذه الملاحظات الدّكتور كريم أبو حلاوة، عضو الهيئة التّدريسية في كلية العلوم السّياسية، وعضو لجنة الحكم: الطّالب كان جريئاً باختيار الموضوع، لكنّي لم أجد ترابطاً بين أهداف البحث وفرضيته ونتائجه.. أفلا تحتمل العلاقة بين الأدب والمجتمع الكثير من الفرضيات؟ وهناك أيضاً مشكلة تتعلّق بالتّوثيق منها نقص معلومات بعض المراجع، كما أنّي لستُ مع تحويل المعرفة الاجتماعية إلى رقم، والتّحليل الكيفي والنّوعي أكثر أهميّة من الكّمي، لذا أقترح تقسيم هذه النّتائج إلى قسمين: كيفي وكمّي، مبيّناً: استمتعتُ بقراءة البحث وهناك رونق وسلاسة في الطّرح، لكنّ الطّالب فعل كلّ شيء إلّا اللمسة الأخيرة التي يصل فيها إلى الألق، وأطالبه بهذا لأنّه قادر ومجتهد ولمّاح ولديه إمكانيات كثيرة.
الدّكتورة هناء برقاوي كانت محكّماً في رسالة الماجستير التي قدّمها السعود سابقاً، وهي اليوم محكّم في رسالة الدّكتوراه، وتتفق مع الدّكتور أبو حلاوة في أنّ البحث ممتع لدرجة أنّها قرأته مرّتين، لكنّها تختلف معه فيما يخصّ التّرابط بين الأسئلة والنّتائج، مضيفةً: البحث مهمّ وجادّ، فالباحث حرث في أرضٍ بكر، أي في موضوع جديد يشمل ثلاثة ميادين معرفية هي: علم اجتماع الأدب، وعلم اجتماع اللغة، علم الاجتماع السّياسي، وهو بحثٌ مبتكرٌ وفيه عمق في التّحليل وأسلوب علمي- أدبي متميز ولغة أكاديمية ممتازة ومتمرّسة، منوّهة بضرورة استخدام علامات التّرقيم، وبوجود بعض الأخطاء اللغوية والنّحوية التي وردت على الرّغم من لغة الطّالب الجيّدة، موضّحةً: لقد استطاع إعادة صياغة ما قرأه بشكلٍ مبدعٍ وممتاز، وقلّما نجد هذا عند الطّلاب.
ملاحظات أكّد الدّكتور عدنان مسلم المشرف على الأطروحة أنّ الطّالب الباحث سيأخذ بها، موضّحاً: البحث المقدّم مختصر جدّاً لمادّة علميّة كانت ضخمة جدّاً، وسيعاد النّظر في الملاحظات جميعها بما فيها موضوع اللغة.. كنّا نتمنى وسعينا إلى أن يكون أحد المحكّمين من دكاترة قسم اللغة العربية، أو المعهد العالي للفنون المسرحية، ولأنّ القانون لا يسمح بذلك اكتفينا بالجانب الاجتماعي والسّياسي وعلم اجتماع الأدب نكرّسه ليصبح مقرراً تدريسياً في الخطّة الجديدة.
بحث مهمّ وأسلوب مميز وسلس في الطّرح أجمع عليه أعضاء لجنة الحكم، كما أجمعوا على منح الطّالب أحمد حامد السعود الدّكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية – اختصاص علم الاجتماع – بتقدير ممتاز وعلامة قدرها واحد وتسعون فاصلة أربعة من أصل خمس وتسعين لا من مائة، لأنّ هناك خمس علامات بحث خارجي وهو غير موجود.