دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة تخسر الرهان في أوكرانيا

هيفاء علي

في نيسان 2019، نشرت مؤسّسة “راند” تقريراً مطولاً حول كيفية إضعاف روسيا، وهو ما نراه اليوم تطبيقاً على الحرب الأوكرانية، حيث حدّد التقرير المجالات التي يمكن للولايات المتحدة أن تنافس فيها لمصلحتها، بالاعتماد على  نقاط الضعف والمخاوف الاقتصادية والسياسية والعسكرية في روسيا، ومن ثم قدّم التقرير الخيارات السياسية المحتملة لمواجهة روسيا أيديولوجياً واقتصادياً وجيوسياسياً وعسكرياً، بما في ذلك الخيارات الجوية والفضائية والبحرية والبرية والمتعدّدة المجالات.

طوّرت “راند” في تقريرها خيارات السياسة في هذه المجالات، ثم قامت بتقييم فوائدها وتكاليفها ومخاطرها، فضلاً عن فرص نجاحها من خلال إعاقة صادرات النفط، والتدخل في صادرات الغاز الطبيعي وأنابيب الغاز، وفرض العقوبات، وتسهيل هجرة الأدمغة الروسية.

كما حذّر التقرير من أن يأتي مثل هذا الإجراء بتكلفة كبيرة، بالإضافة إلى ضعضعة هيبة ومصداقية الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدي إلى خسائر غير متناسبة لدى الأوكرانيين وخسائر إقليمية وتدفقات لاجئين، بل يمكن أن يجبر أوكرانيا على القبول بسلام غير موات.

وبالفعل، نفذت كلّ من إدارتي ترامب وبايدن الإجراءات التي من المفترض أنها ذات فوائد عالية، حيث تبنّت إدارة ترامب بعض الإجراءات التي اقترحتها مؤسّسة “راند”، لكنها لم تبدُ متحمّسة جداً لها، فقد فشلت محاولة تغيير الحكم في بيلاروسيا تماماً كما فشلت في سورية.

في المقابل، غيّرت إدارة بايدن مسارها وسمحت بتسليم المزيد من الأسلحة الهجومية إلى أوكرانيا، وتمّ تشجيع نظام كييف على الاستيلاء على جمهوريات دونباس المتمردة، ومن ثم تمّ إعطاء الضوء الأخضر في أوائل عام 2022، رغم علم البيت الأبيض أن روسيا ستردّ عسكرياً.

لقد تمّ تنفيذ مقترحات مؤسسة “راند” على أوكرانيا، حيث يكمن الهدف الأمريكي من هذه الحرب، كما قال وزير الدفاع لويد أوستن في نيسان 2022: “إضعاف روسيا، ولهذا السبب نقوم بتسليح الأوكرانيين بالأسلحة والمعدات، ولهذا نستخدم العقوبات وضوابط التصدير التي تستهدف الدفاع الروسي بشكل مباشر، من أجل تقليل القوة الاقتصادية والعسكرية لروسيا التي تسمح بذلك”. صحيح أنه تمّ تنفيذ الجزء الأول من تقرير “راند”، لكن حتى الآن لم يتمّ تنفيذ الجزء المتعلق بما خلص إليه التقرير القاضي بأن استمرار الصراع يمثل خطراً في حدّ ذاته، وعلى الولايات المتحدة تجنّب حرب طويلة الأمد.

فقد اعتبرت الدراسة أن إطالة أمد الحرب، مع وجود بعض المزايا للولايات المتحدة، يحمل مخاطر وتكاليف أكبر بكثير، وأن الحرب في أوكرانيا تحول الولايات المتحدة عن حربها ضد الصين، وإلى جانب المكاسب المحتملة لروسيا والعواقب الاقتصادية على أوكرانيا وأوروبا والعالم، سيكون لحرب طويلة عواقب على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. زيادة على ذلك، ستظل قدرة الولايات المتحدة على التركيز على أولوياتها العالمية الأخرى -ولاسيما المنافسة مع الصين- محدودة طالما أن الحرب تستهلك وقت كبار السياسيين، وتستهلك الموارد العسكرية الأمريكية.

وفقاً لمؤسسة” راند”، يمكن للولايات المتحدة اتخاذ إجراءات تجعل إنهاء الحرب أمراً ممكناً، من خلال دفع أوكرانيا إلى المفاوضات، وقبول نتيجة سيئة من خلال التهديد بوقف تمويل الحرب، كما يمكنهم تشجيع روسيا على الدخول في مفاوضات من خلال تقديم تخفيف كبير للعقوبات. وخلص التقرير إلى التالي: “إن إجراء تغيير جذريّ بين عشية وضحاها في سياسة الولايات المتحدة أمر مستحيل، لكن تطوير هذه الأدوات الآن وإضفاء الطابع الاجتماعي عليها مع أوكرانيا، ومع حلفاء الولايات المتحدة يمكن أن يساعد في تحفيز البداية النهائية لعملية يمكن أن تضع هذه الحرب في نهاية تفاوضية في إطار زمني يخدم مصالح الولايات المتحدة”.

إن حرباً طويلة الأمد تشكل تحديات كبيرة للولايات المتحدة وأوكرانيا وبقية العالم، وربما ليس من قبيل المصادفة أن الدعوة السابقة لبدء مفاوضات فورية لإنهاء الحرب جاءت من رئيس الأركان الأمريكي مارك ميلي، حيث كانت حقيقة قيامه بذلك علناً علامة على خسارته المناقشة الداخلية للبيت الأبيض حول هذه القضية، وربما طلب دراسة لمؤسّسة “راند” لدعم حججه، لكن المحافظين الجدد، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين ونائبته، الذين يشنون حربهم ضد روسيا، لديهم آذان جو بايدن، ويمكنهم التحكم في المعلومات التي يتلقاها، وسيكون التقدم المطرد لروسيا في حملتها هو أفضل حجة بالنسبة لهم لكسب الحرب الداخلية في واشنطن العاصمة.