ارفعوا العقوبات الإجرامية عن سورية
علي اليوسف
تعتبر العقوبات الاقتصادية، وفرض الحصار، كأسلوب من أساليب الحرب يهدّد حياة السكان المدنيين، طرقاً محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، لكن أن تستمر هذه العقوبات ضد بلد أُصيب بكوارث طبيعية، فذلك يرقى إلى مستوى الازدواجية الصارخة في المعايير وجريمة الحرب، دون أدنى شك.
لقد تأثرت مناطق كثيرة في سورية بالزلزال الذي ضرب تركيا، وانهارت أبنية بأكملها، وباتت آلاف العائلات بلا مأوى، ما يحتّم على المجتمع الدولي تقديم المساعدة الفورية، بل الضغط على هواة فرض هذه العقوبات كسلاح اقتصادي لكسر إرادة السوريين، والعمل على إيقاف مثل هذه الإجراءات التعسفية اللاشرعية ضد الدولة السورية وشعبها.
منذ أن فُرضت الحرب الإرهابية الكونية على سورية، تفنّن مجلس الأمن في تخييب أمل السوريين لجهة عرقلة كافة التدابير لتأمين احتياجاتهم الأساسية، في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ومنذ ذلك الوقت -2011- تواجه سورية حرباً اقتصادية ظالمة مفروضة من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك تقوم الدولة السورية باستحداث آليات مختلفة وتوسيع البحث عن بدائل لاستمرارية عمل المؤسّسات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وهي تكثف، بدءاً من العام 2018، جهودها ومواردها لإعادة تدوير عجلة الإنتاج وتأمين الاحتياجات الأساسية للسكان، وتحسين مستوى الخدمات.
ولعلّ حالة التضامن والتكاتف بين الشعب السوري وحكومته، وبين السوريين أنفسهم، في سبيل مواجهة الحصار كانت الأكثر حضوراً خلال سنوات الحرب، إذ يمكن القول إن الشعب السوري يدرك جيداً أن الوضع المعيشي الصعب سببه الأول “العقوبات الاقتصادية الغربية”، حيث تتنوّع الأدوات التي يقوم بها السوريون وابتكارها حسب مستوى الحاجة إليها في مختلف المجالات.
إن تعرّض أي بلد لعقوبات اقتصادية جائرة يترك آثاره الكارثية، كبرت أم صغرت، حسب حجم ذلك البلد وقدرته الاقتصادية، وتزداد هذه الآثار كلما كان الاقتصاد صغيراً ومنفتحاً على الخارج، حيث يتضح أن لبعض العقوبات آثاراً تفوق حجمها المباشر بالنسبة للاقتصاد الوطني، وقد كانت انعكاساتها خطيرة على المجتمع السوري بأكمله، وتسبّبت بخسائر كبيرة، وحرمان سورية من النقد الأجنبي الضروري، وعرقلت بالنتيجة تطور بنية وتركيبة العديد من القطاعات بما فيها الصحة والتعليم.
وتندرجُ العقوبات الأمريكية الحالية على سورية في إطار العقوبات الموجهة، والتي تهدف إلى التضييق على الشعب السوري باستهداف لقمة عيشه، وهي تشكل مجتمعة “إضافة اقتصادية”، ذات منحى إجرامي، للعداء السياسي الأمريكي لسورية منذ عام 1980، ما يعني أن العقوبات التي تستهدف سورية صيغت، منذ ذلك التاريخ، لتأخذ شكل حزمة متكاملة تشمل الصادرات، والواردات، والمعدات الطبية، والأدوية، والمواد الكيمائية، والتجهيزات، والمعدات الإلكترونية، والاستثمار وتنمية الموارد النفطية وبيع المشتقات النفطية، والطائرات ومحركاتها وقطع غيارها، بغرض إحكام الخناق على الشعب السوري بوتائر تصاعدية لتحقيق أهداف سياسية تصبّ في خدمة إسرائيل وسياساتها التوسعية في المنطقة العربية. وحتى الاتحاد الأوروبي الذي بات يمارس الابتزاز المكشوف، لم يعد يخفي تركيزه على الاستهداف السياسي، واستهداف القدرة المالية للدولة السورية من خلال حظر بيع النفط والمشتقات، وحجب الاستثمار الخارجي، وتجميد الأرصدة، وفرض عقوبات على الشركات العاملة في سورية، ووقف عمليات الاستثمار.
إن “منظومة” العقوبات الغربية المفروضة على سورية تتحمّل اليوم مسؤولية كبيرة، إن لم يكن كلّ المسؤولية، لجهة الوضع المأساوي الذي يفرض نفسه على الشعب السوري بفعل الارتدادات الزلزالية التي ضربت مناطق واسعة من غرب سورية. وكلّ محاولة لذرّ الرماد في العيون من خلال الاكتفاء بالتعبير عن تعاطف كاذب لن تجدي نفعاً ولن تستر هوية المجرم الذي ترك السوريين عزلاً بمواجهة واقع صعب لم يكن يحتاج إلى كوارث طبيعية لكي يتكشف على حقيقة هوله وفظاعته، فأقل من رفع العقوبات لن يكون مجدياً، وأقل من التخلي عن المعايير المزدوجة لن يكون مقبولاً.