الناتو جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة
هناء شروف
عبر ثلاثة محيطات، المحيط الأطلسي والهندي والمحيط الهادئ، وعلى جبهتين، سلسلة الجزر الأولى المتمركزة في تايوان، ومن بحر البلطيق إلى البحر الأسود، تحاول الولايات المتحدة استعادة هيمنتها العسكرية والسياسية العالمية منذ أن شنّ الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش “الحرب على الإرهاب” الكارثية في عام 2001، وإحباط أي قوة إقليمية تهدّد التفوق العالمي للولايات المتحدة.
انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وانهيار حملتها في آسيا الوسطى، دفعا الناتو إلى تحويل خط عملياته إلى المحيط الغربي لروسيا على طول خط من دول الناتو من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، والتي تضمّ إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا واليونان وتركيا.
على الرغم من تحفّظ المجر وتركيا، فإن حرب الناتو بالوكالة في أوكرانيا -التي صوّرها الناتو على أنها عمل من أعمال “الدفاع عن النفس”- يتمّ دعمها من خلال الدم الأوكراني، وتوفير الأموال والمواد والأسلحة والاستخبارات والمرتزقة والتدريب من قبل الولايات المتحدة وأعضاء وحلفاء آخرين في الناتو.
يُذكر أنه يتمّ دعم توفير الأموال والمواد من خلال حملة العقوبات الأكثر صرامة، وسرقة الولايات المتحدة لاحتياطيات روسيا من العملات الأجنبية.
ومع ذلك، يمكن أيضاً النظر إلى الصراع الروسي الأوكراني على أنه إجراء خلفي للناتو لمواجهة التقارب والنفوذ المتزايد للدول الأعضاء الثماني في منظمة شنغهاي للتعاون: الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان والهند وباكستان. كما أنه من الأمور التي تشغل بال الولايات المتحدة والناتو، بشكل خاص، استمرار الاتحاد الأوروبي في استيراد الطاقة من روسيا، وزيادة الإمداد بالسلع المصنّعة، ومعدات الاتصالات المتقدمة من الصين. وما يثير قلق واشنطن أيضاً توسيع اتصال البنية التحتية بفضل تطوير مبادرة “الحزام والطريق” التي تربط الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون مع نظرائها في الاتحاد الأوروبي، وتحافظ على أحجام متزايدة من التجارة والاستثمار بين الشرق والغرب.
علاوة على ذلك، فإن الرغبة المتزايدة لدول الاتحاد الأوروبي في الحصول على “استقلال استراتيجي” اعتُبرت في واشنطن تهديداً خطيراً لتماسك الناتو، ولقدرة الولايات المتحدة على مواجهة النفوذ المتزايد لروسيا والصين.
ونتيجة لذلك، وسّعت الولايات المتحدة نطاق حملاتها السياسية في الاتحاد الأوروبي لإعادة فرض مركزيتها في الناتو، وتقوية تحالف الناتو العسكري، والترويج لبيع الطاقة الأمريكية. أما بالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي أيّدته واشنطن علناً فقد أدى إلى تسريع التدهور الاقتصادي للمملكة المتحدة على الرغم من أنه ضمن احتفاظ المملكة المتحدة بمقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن التضحية بالمصالح الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة لمصلحة الولايات المتحدة كانت غير متسقة مع سياسة الاتحاد الأوروبي الشاملة وذات المنفعة المتبادلة.
في الواقع ساعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على توسيع نفوذ الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي من خلال تقويض الاتحاد الأوروبي، وزيادة اعتماد المملكة المتحدة على الولايات المتحدة. من جانبها دعمت الولايات المتحدة توسّع الاتحاد الأوروبي دائماً بشرط أن تدعم الكتلة الأوروبية توسّع الناتو.
تمّ إطلاق الدعاية الأمريكية حول اعتماد ألمانيا المفرط على الطاقة الروسية وأهمية الناتو قبل استقالة ميركل من منصب المستشارة الألمانية، والتي شهدت استبدال “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” بائتلاف ضعيف للحزب “الاشتراكي الديمقراطي” الألماني، والحزب “الديمقراطي الحر”، وحزب “الخضر”، وهي أول حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أذعنت الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا لمطالب الولايات المتحدة، وعكست قرارها بشأن مشاركة “نورد ستريم 2″، وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا.
تحجب الرواية الأمريكية المبسطة عن صراع “هوبزي” بين الدول الديمقراطية والاستبدادية الاستراتيجية الأمريكية الكبرى “فرق تسد”، والتي استخدمتها بدرجة ما من النجاح لإقحام نفسها وأوروبا في حرب بالوكالة مع روسيا بشأن أوكرانيا. صُمّمت الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة والناتو لإضعاف وإخضاع روسيا حتى تتمكن واشنطن من تركيز مواردها الهائلة على كبح صعود الصين وإخضاعها في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فإن تيار التاريخ لا يدعم الفرضية القائلة بأن الولايات المتحدة، على الرغم من كل قوتها، يمكن أن تتغلب على كل معارضة في سعيها لتعزيز هيمنتها. يجب أن يتعامل التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للولايات المتحدة مع تقلص الثروة والسلطة لحلفائها والقوى السياسية والاقتصادية الآخذة في التوسّع السريع التي تتحد في الجنوب العالمي.
في التحليل النهائي، فإن الإستراتيجية الكبرى “للمحيطات الثلاثة والجبهتين” للولايات المتحدة تشبه الزئير الأخير لنمر ضعيف، حيث إن قرن هيمنتها العالمية ينتهي ويتحول العالم نحو التعددية القطبية والتوزيع العادل لموارد العالم.