ثقافةصحيفة البعث

المايسترو إبراهيم البمباشي: الذهب يليق بأوبرا دمشق وجمهورها

ملده شويكاني

“مهما الأيام تقسى الأيام، على حبك نحنا تواعدنا، الله الله يا بلدنا”، أغنية الموسيقار ملحم بركات كانت بأصوات كورال المشرق العربي من لبنان، بقيادة المايسترو إبراهيم البمباشي بأمسية ذهبية على مسرح الأوبرا، عبّرت عن العلاقة المتينة بين سورية ولبنان. وقد رافقت الموسيقا التسجيلية الكورال بتوزيع الموسيقي اللبناني حازم بيطار بتوليفة بين الآلات وبدور كبير للخط الإيقاعي، الذي أخذ دور اللحن الأساسي في مواضع، مع مساحة صغيرة للموسيقا في المقدمات والفواصل.

ووظّف المايسترو البمباشي تقنيات الغناء الجماعي بحرفية وإتقان بالتركيز على التوزيع الصوتي للمفردة بتدرجات طبقات الصوت ومقاماته بالغناء الإفرادي، إضافة إلى تقطيع الجملة بين الذكور والإناث وتجزيء الكورال، والعودة إلى الغناء الجماعي بتعدّد الأصوات التي تميّزت بقوة العُرب الصوتية خاصة بالغناء الإفرادي للذكور. كما اعتمد على تقنية الأكابيلا –الغناء دون موسيقا- في أنشودة خاصة.

تنقل الكورال بين التراث السوري بشقيه الحلبي والشامي، ومن ثم المصري واللبناني ضمن مساره بالتراث وبإطار الفنّ الملتزم، فقدّمت الأمسية الموشحات والأناشيد الدينية ومختارات من التراث، ولم يكن الحسّ الوطني بالأغنيات الوطنية فقط، وإنما بالأناشيد الدينية التي تغنّت بمديح النبي محمد والسيدة العذراء بالتوافق والتعايش والتلاحم تحت سماء الوطن.

تدرجات للمفردة

البداية كانت من الموشحات بموشح لعمر البطش على مقام النهاوند “قلت لما غاب عني” وتألق بالغناء الإفرادي “غاب عن عيني ضياها يا قمر داري العيون” لأحد أعضاء الكورال بصوته الجميل وتدرجات طبقات الصوت لمفردة يا قمر، وترديد الإناث الآهات.

تمتمات صوتية

ومن حلب الشهباء إلى مصر والملحن المستكاوي “يا رسولاً جاء يبشرنا”، فتداخلت التمتمات الصوتية مع الموسيقا “جاء يبشرنا بدين الله القهار”، ثم زارني المحبوب وتقنية الفوكاليز بالتناوب بين الإناث والذكور.

مديح

وشغل مديح سيدنا محمد الحيّز الأكبر بأناشيد عدة، منها العمل الأخير لإحسان المنذر، “لا زالت الأنوار تسطع للنبي”، بدأت الأنشودة بالآهات ومن ثم الموسيقا والدور الأكبر للإيقاعيات والغناء الإفرادي للمطلع “لازالت الأنوار تسطع للنبي مع كل فجر نوره السامي جلي” لتتابع الإناث “هو سيد الأكوان” ومضت الأنشودة بالتغني مع تغييرات لحنية بفواصل صغيرة جميلة. كما قدّم الكورال عملاً للملحن اللبناني محمد جبر بأنشودة تغنّت بوصف دقيق لجمال سيدنا محمد، فوصفت وجهه المشرق وطول قامته ولحيته الكثيفة وكفه وملامحه وابتسامته، منها “وزاد جمالاً وبهاء بطول في شق العين” بصوت الإناث، وتكرارها بنغمة أسرع بالغناء الجماعي.

رؤية جديدة

وتبقى أنشودة “طلع البدر علينا” الأقرب إلى القلوب، والتي تعود إلى التراث القديم من ألف وأربعمئة عام من مقام السيكا، أدخل الحداثة إليها بإضافات جديدة د. نبيل جعفر أستاذ الفوكاليز للكورال، مبتدئة بالغناء الجماعي للمطلع، ومن ثم بتوزيع جميل بين الإناث والذكور، وتميّزت جملة “من ثنيات الوداع” بالتقطيع والتكرار بين الذكور والإناث.

الأكابيلا والسيدة العذراء

الفاصل بالأمسية كان بتقنية الأكابيلا وغناء الكورال دون مرافقة الموسيقا أنشودة تغنّت بمديح السيدة العذراء والسيد المسيح رسول المحبة والسلام، بدأت بصوت الإناث “مريم أم المسيح أهديك هذا المديح”. ومن التراث تميّزت “يا محلا الفسحة ياعيني” وغنوا أيضاً موشح “منيتي”.

أغنيات الشام

كما خصّ المايسترو الشام بأغنية “بدنا نعشق بدنا نحب، بدنا نتعلم الرجولة ونحب الشام من القلب”، فلاقت تفاعلاً كبيراً من جمهور الأوبرا، واختُتمت الأمسية بوصلة من الأغنيات الوطنية، منها “أهل الراية وبالفرح بالعزّ، لو لا لي، أنا عربي آه يا نيالي”.

مفاجأة الأمسية كانت بتقديم البمباشي الأصوات الواعدة لين سراج وماريا مسالخي.

بعيداً عن السياسة

كورال المشرق العربي انطلق منذ ست سنوات ويضمّ ستين عضواً، وفي حديث المايسترو إبراهيم البمباشي الذي تتلمذ في سورية على يد صبري المدلل وزهير منيني، لـ”البعث” أوضح أنه تقصّد عنونة الأمسية بأمسية ذهبية، لأن الذهب ثمين ولا بد من أن يقدم عملاً يليق بأوبرا دمشق وبجمهورها، وتابع بأن الكورال مازال بالبدايات ويستمر رغم صعوبات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي حلّت على لبنان وسورية، ويعنى بالتراث الديني كجزء من مساره بعيداً عن أي حزب أو طرف سياسي، إضافة إلى الفن العروبي والوطني والاجتماعي.

تعديلات فنية

أما عن الحداثة والتجديد فتابع بأن أي عمل عمره مئة عام لابدّ من إجراء تعديلات فنية عليه من حيث التقطيع والإيقاع لإظهاره بأبهى حلة، ليس بالتوزيع الصوتي فقط وإنما أيضاً ببعض الجمل اللحنية التي تحتاج إلى تطريب.

وعلى صعيد التقنيات يُعنى بتعدّد الأصوات وبالصولو بشكل خاص، ليخلص المايسترو إلى أن طموحهم كبير ويأملون بتقديم أمسيات قادمة في أوبرا دمشق وبدور الأوبرا المصرية.