دراساتصحيفة البعث

بعد 100 يوم.. هل يستيقظ سوناك؟

عناية ناصر

تعتبر الإضرابات الأخيرة في المملكة المتحدة بمثابة إنذار لرئيس الوزراء ريشي سوناك للاستيقاظ، والذي سيصادف التاسع من شهر شباط الحالي 100 يوم على توليه لمهامه.

حتى الآن من الصعب تحديد المدة التي يمكن أن يبقى فيها هو وحزبه في السلطة، إذا استمرت لندن في استغلال الوضع الدولي لإثبات وجودها بدلاً من معالجة المشكلات الاجتماعية في الداخل بفعالية وتهدئة استياء البريطانيين المتزايد، خاصةً وأن نحو نصف مليون معلم، وموظف حكومي، وسائقي قطارات، ومهن أخرى قد تركوا وظائفهم بسبب الأجور والظروف في المملكة المتحدة، في إضراب يعتبر الأكبر منذ عام 2011، وأعلن عنه الاتحاد العام للنقابات، وهو أحد أكبر النقابات العمالية في بريطانيا.

تجدرُ الإشارة إلى أن المملكة المتحدة تواجه أزمات معيشية حادة بشكل متزايد منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع تدهور الظروف المعيشية للشعب البريطاني، كما تسبّب الصراع العسكري الروسي الأوكراني المستمر بارتفاع حاد في تكاليف المعيشة في جميع أنحاء الغرب، حيث ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء بشكل كبير بسبب النقص.

وتحت تأثير العوامل الداخلية والخارجية، عانت التنمية الاقتصادية في المملكة المتحدة من صدمة هائلة في عام 2022، بينما تدهور وضعها الاقتصادي العام بشكل أسرع. على سبيل المثال، استمر التضخم بالارتفاع في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، حيث وصل إلى أعلى مستوى له في 41 عاماً عند 11.1٪ في تشرين الأول.

على الرغم من انخفاض الرقم بشكل طفيف في شهري تشرين الثاني وكانون الأول بعد أن تولى سوناك مهام منصبه في أواخر تشرين الأول العام الماضي، ونفذ سياسات لتعزيز الاقتصاد، وخفض معدل التضخم، إلا أنه من الواضح أن استياء الجمهور العام من الحكومة البريطانية ازداد بشكل أسرع، وأدى ذلك في النهاية إلى الإضرابات الأخيرة للناس للتعبير عن استيائهم المتراكم منذ فترة طويلة.

وبينما تواجه مشكلات حادة في الداخل، مثل ارتفاع في أسعار الطاقة وارتفاع في التضخم، لا تزال بريطانيا ترسل مساعدات لأوكرانيا لدعمها في ساحة المعركة. وفي هذا الإطار، قال جاو جيان، مدير مركز الدراسات البريطانية بجامعة شنغهاي الدولية للدراسات: “إن لندن لديها حساباتها الخاصة للقيام بذلك، فالسياسة الخارجية البريطانية تعتمد الآن بشكل كامل على الولايات المتحدة. لذلك، إذا لم تقدّم المملكة المتحدة نفسها على أنها محاربة من أجل الديمقراطية في مسائل مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فسيستمر تهميش دورها كبيدق في النظام الاستراتيجي العالمي للولايات المتحدة”.

إن أكبر مخاوف لندن الآن هي ألا يهتمّ بها أحد بعد أن فقدت مكانتها كلاعب رئيسي في الشؤون الدولية، ونتيجة لذلك، يتعيّن على المملكة المتحدة الاستمرار في تبني نهج قصير النظر للاستفادة من أزمة أوكرانيا لإظهار تأثرها وتواجدها على الساحة الدولية.

لكن من خلال إلقاء نظرة على كيفية عمل السياسة البريطانية في السنوات الأخيرة، فإن كل ما نراه هو المواجهة والارتباك، حيث يحافظ حزب المحافظين الحاكم، الذي يمثل بشكل أساسي النخبة البريطانية والطبقة الوسطى، وحزب العمال، الذي يمثل الطبقات المتوسطة الدنيا، على علاقة تنافسية وحتى عدائية، وهذا الصراع الذي لا يمكن حلّه بينهما قد اشتد بشكل كبير على مرّ السنين. وبسبب العلاقات الوثيقة بين حزب العمال والنقابات، فإن حزب المحافظين كان وسيظل ضد الإضرابات بحزم، ناهيك عن التسوية مع النقابات. وبالتالي، فإن العداء بين النقابات والحكومة البريطانية لن يخفّ بأي شكل من الأشكال، ومن المتوقع أن تشهد المملكة المتحدة المزيد من المواجهات.

لقد فقدت سياسة المملكة المتحدة بوصلتها منذ فترة طويلة، مما زاد من صعوبة حلّ المشكلات المعيشية للشعب البريطاني، فالعديد من السياسيين البريطانيين منشغلون في الانخراط بالتبجح السياسي والجدال ومحاربة خصومهم في البرلمان، بدلاً من البحث عن حلول عملية لمشكلات البلاد. وفي الوقت نفسه، أظهرت لندن، المتشبثة بشدة بواشنطن، نزعة لأدلجة الشؤون الخارجية، فمثل هذه الرؤية الضيقة قد أنفقت بشكل كبير على العناصر الرئيسية لتنمية المملكة المتحدة.

على الرغم من استمرار سوناك في منصبه إلى الآن أكثر من سلفه ليز تروس كرئيس للوزراء في المملكة المتحدة، إلا أن سوناك قد يصل قريباً إلى نهايته لإيجاد طرق لتحقيق الاستقرار في المجتمع البريطاني. وفي هذا السياق يعتقد الخبراء أنه في الوقت الحاضر، لا يزال سوناك أو حزب المحافظين يخاطران بفقدان السلطة في قيادة سياسة البلاد. ومع ذلك، أياً كان من في السلطة، لا يمكن لأي حزب أو سياسي في ظل الاتجاه الذي تستمر فيه المملكة المتحدة في الانحدار في العديد من الجوانب، إجراء تغيير كبير وإنقاذ الوضع اليائس.