الدور الأمريكي – الأوروبي بتأجيج الحرب في أوكرانيا
ريا خوري
ما زال حلف “الناتو” يحاول الوصول أو الاقتراب من الحدود الروسية، وهذا ما تعتبره القيادة الروسية السبب الرئيسي لمخاوفها، وبالتالي سبباً جوهرياً لاندلاع شرارة الحرب الساخنة في أوكرانيا، إلا أنّ أي متتبع لمجريات الأحداث ولتاريخ العلاقات الروسية الأمريكية يجد أن هذه الحرب مخطّط لها في السابق، وهي ليست حادثاً طارئاً أو مفاجئاً، وإنما هي امتداد لعشرات السنين من الصراع والنزاع بأشكال مختلفة ومتناقضة، وذلك بسبب السياسات العدائية التي انتهجها الغرب الأمريكي- الأوربي تجاه روسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي السابق.
منذ نشأة حلف “الناتو” في عام 1949 وحتى هذا اليوم، بدا هذا الحلف عازماً على اتباع سياسة معادية ممنهجة ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتفكيك جمهورياته السابقة، سارع الحلف بكلّ ما يملك من إمكانيات لضمّ العديد من تلك الجمهوريات تحت مظلته من خلال سياسة التوسع نحو الشرق بشتى الطرق والأساليب.
وعلى الرغم من محاولات روسيا الانفتاح على الغرب، توسع حلف الناتو، منذ عام 1999، باتجاه أوروبا الشرقية أربع مرات متتالية، وصدّ الغرب الأوروبي – الأمريكي كل محاولات روسيا الاتحادية للتقرب منه وتناسي الخلافات الاستراتيجية السابقة، وعمّق حالة من الإحباط من التعامل معها كشريك ثانوي بدلاً من شريك متساوٍ في القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فقد تذرّع الغرب بأن روسيا تريد الحصول على حقوق الجوار المشترك دون الالتزام بقبول مبادئ السلوك الخاصة والمنهج المتبع في الاتحاد الأوروبي، زد على ذلك التعامل الغربي المتعالي والذي يمارس سياسة الانتقاص والاستهزاء مع روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، في إطار نظام القطب الواحد الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم بعد انهيار الصرح الاشتراكي ككل، وما حمله من تداعيات واستحقاقات خطرة على مستوى العالم أجمع، وهو ما حذّرت منه روسيا مراراً، ولاسيما على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعلن في 19 تشرين الأول عام 2021 خلال “منتدى فالداي” الدولي للحوار بنسخته الثامنة عشرة تحت عنوان (التغيير العالمي- القرن 21: الإنسان، القيم، الدولة)، أن تلك الأزمة ستطال الجميع الآن دون استثناء، وليس هناك أي أوهام أبداً، وأن أمام البشرية طريقان لا غير، إما المضي قدماً نحو السقوط والانهيار، أو العمل على نظام عالمي جديد معاً، محذراً الغرب الأوروبي- الأمريكي بقوله: “إنّ من يزرع الريح يحصد الزوبعة، مؤكداً أن روسيا الاتحادية حاولت مراراً بناء علاقات متوازنة مع الغرب وحلف (الناتو)، وكانت رسالتها التي قدمتها دون تردّد فلنعش سوياً ونسعى لإنشاء منصات مالية واقتصادية وتجارية دولية جديدة في العالم لا تعتمد على مركز تحكم واحد، وأن فترة الهيمنة الأمريكية- الأوروبية المطلقة على الشؤون العالمية تقترب من نهايتها بكل تأكيد”.
في حقيقة الأمر يمكن القول إن السياسة الأمريكية الغربية تجاه روسيا كانت وستبقى سياسة استعلائية، تهدف إلى تفكيك روسيا، وتحويلها إلى دويلات ضعيفة يسهل السيطرة عليها، وحينما يقول قادة روسيا إن الغرب الأمريكي- الأوروبي، ومعه جميع دول حلف (الناتو) ينوي تفكيك الاتحاد الروسي على غرار الاتحاد السوفييتي السابق، فهُم لا يبالغون بذلك أبداً، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا مؤخراً حين قال: “إن الحرب الدائرة في أوكرانيا هي حرب حقيقية، وليست حرباً هجينة، وكانَ الغرب يستعدّ لهذه الحرب منذ فترة طويلة ضد روسيا، في محاولة لتدمير كلّ شيء روسي من لغة إلى ثقافة إلى اقتصاد.. الخ”.
ومن يتابع مجريات الأحداث والتوجهات والتصريحات السياسية الغربية خلال الأزمة الأوكرانية يدرك تماماً الأهداف الحقيقية الأوروبية والأمريكية خاصة، بعد قرار دول (الناتو) تزويد أوكرانيا بأحدث ما أنتجته مصانعها من دبّابات، بهدف صبّ الزيت على النار، وتصعيد هذه الحرب إلى أقصى مدى، أملاً في إضعاف روسيا واستنزافها في حرب طويلة الأمد، وهو ما يعيد إلى الذاكرة المؤامرات الأمريكية الغربية الأوروبية على الاتحاد السوفييتي السابق، ومحاولات إغراقه بأزمات وصراعات ونزاعات لا حصر لها، كما جرى في أفغانستان عام 1979 بهدف استنزاف القوات السوفييتية آنذاك، وانعكاسات ذلك على الاقتصاد السوفييتي ومستقبله، ما أدى إلى الانهيار والتفكك.
واليوم يُراهن الغرب الأمريكي- الأوروبي على انخراط روسيا في الحرب الساخنة في أوكرانيا، وإطالة أمدها، واستنزاف اقتصاد روسيا، وإضعافها إلى الحدّ الأدنى، كمقدمة لتفكيك الاتحاد الروسي.