شعب لا تحبط عزيمته كارثة
علي اليوسف
أدت الحصارات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على الشعب السوري إلى معاناة شديدة على كافة المستويات، وهي، أي العقوبات، التي تعتمد على التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وبشكل أوسع، فرض الحصار الذي يهدد حياة المدنيين عن طريق حرمانهم من السلع الضرورية من أجل البقاء على قيد الحياة، هي أساليب محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني.
يتضح من العقوبات المزدوجة الأميركية – الأوروبية تركيزها على استهداف القدرة المالية للدولة، وحجب الاستثمار الخارجي، وتجميد الأرصدة، وبالتالي تقييد تعاملاتها التجارية الخارجية، واستهداف القدرة الاقتصادية الكلية للدولة من خلال تقييد عمليات الاستيراد والتصدير، وحجم الائتمان والتأمين، وفرض عقوبات على الشركات العاملة في سورية، ووقف عمليات الاستثمار وتقديم المساعدات والاستفادة من البرامج التنموية.
ومنذ عام 1979، تواجه سورية عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع الحكومة السورية لإيجاد بدائل دائمة لمواجهة تلك العقوبات. فقد قامت الدولة السورية باستحداث آليات مختلفة، وتوسيع البحث عن بدائل لاستمرارية عمل مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. لكن منذ العام 2011 تاريخ الحرب على سورية، كان الوضع مختلفا جداً لجهة نوع العقوبات التي طالت في أجزاء كثيرة منها القطاع الصحي والزراعي، وهو ما كان غير موجود في تاريخ العقوبات الغربية على سورية، بمعنى أن نوع العقوبات التي مورست على الشعب السوري كان الهدف منه التجويع، وهو مخالف جملة وتفصيلاً للقانون الدولي الانساني.
لكن بالرغم من ذلك، كان هناك أولويات لدى الحكومة السورية في تأمين المواد والمشتقات النفطية والتغذية الكهربائية، حيث كانت المشافي والمؤسسات الخدمية في سلم الاولويات ولم يتوقف أي مشفى عام أو خاص في كل سنوات الحصار، بل استمرت هذه المنشآت بالعمل وتقديم الخدمات في أصعب ظروف الحرب وخاصة بين أعوام 2012 و 2016، حيث اعتمدت الدولة على الكوادر الوطنية، ورفعت شعار البدائل المحلية في عمليات الصيانة والاستخراج والنقل والتسويق والتوزيع وحتى التشغيل للمنشآت التي تم اعادتها للخدمة.
كان للكوادر الوطنية دور كبير في حل كثير من المشاكل التي واجهت الحكومة السورية في عدد من المفاصل الخدمية المتخصصة بفعاليات النفط والغاز، بل كان لها دور أساسي في إبقاء سورية على قيد الحياة في وقت انكفأت فيه معظم الدول عن إرسال خبرائها تحت حجج مختلفة.
إن الحلول التي لجأت إليها الدولة السورية استطاعت ابقاء عجلة الحياة مستمرة، وان كانت بنسب متفاوته، وحسب القطاعات، لكن لم تدخل أي منطقة في سورية مرحلة الحرج الكبير. صحيح أن الحلول كانت غير مرضية في بعض المراحل، لكنها أبقت سورية ككل دولة وحكومة وشعب وخدمات على قيد الحياة، بحيث لم تنقطع ولا مرة المخزونات الاستراتيجية للدولة السورية.
مع بداية العام 2018 – تاريخ انتهاء العمليات العسكرية الكبرى وتحرير الكثير من الأراضي التي كانت في يد التنظيمات الإرهابية – شهدت الدولة السورية عودة للمؤسسات الرسمية إلى مناطق عديدة حررتها وحدات الجيش العربي السوري، وحينها جندت الدولة كل طاقاتها لإعادة تدوير عجلة الإنتاج لتأمين الاحتياجات الأساسية، وتحسين مستوى الخدمات.
وبحسب بيانات هيئة الاستثمار السورية، فإن عدد المشروعات الاستثمارية المستقطبة في العام 2019 بموجب مرسوم تشجيع الاستثمار وصل إلى حوالى 121 مشروعاً بكلفة استثمارية تقديرية تبلغ حوالى 193 مليار ليرة، وبنسبة زيادة قدرها 11% و65.7%، مقارنة مع العامين 2018 و2017 على التوالي. وتضيف البيانات أن مشروعات الصناعات التحويلية والاستخراجية شكلت ما نسبتها 73.7% من إجمالي التكاليف التقديرية للمشروعات المستقطبة. وأبدت مؤشرات تنفيذ المشروعات في العام 2019 تحسناً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة، إذ بلغ عدد المشروعات المنفذة 15 مشروعاً، أي ما نسبته 12.3% من إجمالي عدد المشروعات المستقطبة. وكان من بين المشروعات المنفذة 6 مشروعات في مجال الصناعات الغذائية، و5 مشروعات لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقات المتجددة، ومشروع واحد في قطاع الصناعات الدوائية.
كما أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لما لها من دور كبير في تشغيل عدد كبير من العمالة، ودعم خطة إحلال بدائل المستوردات، وتحقيق المنافسة، وتوفير القطع الأجنبي، وتوفير حاجة السوق المحلية من المنتجات، وصولاً إلى التصدير.
واليوم، كما استطاعت الدولة السورية تجاوز كافة الصعوبات، هي الآن قادرة على تجاوز محنتها، ولملمة جراح الزلزال الذي ضرب مناطق عديدة، وهي بكوادرها الوطنية ومساعدة الأصدقاء ستخرج أقوى من ذي قبل، ولعل ما يؤكد ذلك هو حجم التكاتف والتعاطف الذي أبداه الشعب السوري لجهة تقديم الخدمات بكافة أشكالها المادية والعينية، والتي تثبت من جديد أن الشعب السوري هو شعب حيّ لا تكسره حرب همجية، ولا تحبط عزيمته كارثة طبيعية.