مجلة البعث الأسبوعية

أعراض ما بعد الصدمة.. كيف نقدم الدعم النفسي لمتضرري الكوارث من الأطفال

 

التعامل مع الأطفال من متضرري الحروب والكوارث يختلف التعامل مع الأطفال المتضررين من الحروب والكوارث عن التعامل مع الآخرين، وذلك من حيث الأعراض التي تظهر عليهم وكذلك من حيث الطريقة التي يجب علينا اتباعها في التعامل مع ما يظهر عليهم من أعراض.

ويرجع اختلاف طريقة التعامل مع الأطفال عن الكبار إلى عدة أسباب منها:

– انخفاض قدرة الطفل على التعبير، بمعنى أنه لا يعرف كيف يعبر عن آلامه وما يعانيه في صورة كلمات أو ألفاظ لغوية.

– أن ما يظهره الطفل من علامات ومؤشرات ظاهرة (كالبكاء أو ما يظهر عليه من علامات للتعبير عن الخوف)، يمكن تفسيره في أكثر من فئة، بمعنى أن البكاء ربما يعبر به عن القلق النفسي أو عن الحاجات الفسيولوجية كالجوع مثلا، أو قد يعبر به عن رغبته في أن يلفت نظر الآخرين له. 3 – إن مساعدة الطفل في التخلص من معاناته لا يصلح معها أيضا الكلام المباشر، وذلك لانخفاض قدرته على إدراك ما يقع خلف الكلمة من محاولة للتخفيف؛ فمن الصعب على الطفل فهم المحاولات الكلامية المباشرة لتعديل أفكاره وجعله يتقبل ما يتعرض له.

– إن الطفل بوجه عام وفي الظروف الطبيعية يحتاج لطريقة خاصة في التواصل والتفاعل معه؛ فالتعامل معه يحتاج لمهارة من الفرد الذي يرغب في إقامة علاقة معه.

 

‌أعراض ما بعد الصدمة

تظهر الأعراض المرضية لدى أطفال ما قبل المدرسة في عدد من الأعراض المحدودة والتي يمكن بسهولة التعرف عليها ورصدها، وتشمل:

الخوف الشديد بل وربما الرعب والهلع والذي يظهر في الخوف من الآخرين خاصة الغرباء، وفي صورة فزع وصراخ عند ابتعاد أحد أقاربه عنه (وهو ما يسمى بقلق الانفصال) فهو يخشى أن يترك بمفرده. كما يظهر في اضطراب النوم والتي تشمل الفرغ في أثناء الليل أو زيادة عدد ساعات النوم عن المعدل الطبيعي أو ظهور الكوابيس التي تجعله يستيقظ في حالة صراخ مستمر، وفي تكرار رموز أو ألعاب ترمز للحادث المأساوي.

وأخيرا الارتداد لممارسات سابقة، فيعاود الطفل أشكال من السلوك أو الممارسات كان قد أقلع عنها بحكم النمو، والتي تشمل مص الأصابع، وعدم السيطرة على علمية الإخراج، وربما تظهر سلسلة أخرى من الأعراض بصورة نوعية تختلف من طفل لطفل، فقد يظهر على بعض الأطفال حالة من الشرود أو السرحان وكأنه ينظر لشيء ما فهو هنا ربما يعاود مشاهدة الموقف مرة أخرى أو يتذكره وكأنه يشاهده على شاشة أمامه أو حالة من الحركة المستمرة غير الهادفة، بمعنى يتحرك بدون هدف واضح للحركة، وهو يعبر من خلال هذه الحركة إلى توتره، وعدم قدرته على ضبطه.

أما الاضطرابات اللاحقة على الصدمة لدى الأطفال الأكبر سنا فتشمل الاسترجاع البصري للأحداث، ونسيان أو خلل في ترتيب الأحداث فترى الطفل يروي لك ما حدث ولكن دون ترتيب دقيق كما تجد أن هناك جزءا من الأحداث مفقودا فلم يعد يتذكره، وهي محاولة منه (غير واعية) للتخلص من بعض المشاهد أو الأفكار أو الأحداث التي لا يحتملها أو لا يرغب في الاحتفاظ بها. وـزيادة الخوف والتوتر وهنا يبدو الطفل وكأنه في حالة توقع لحدوث مكروه، فهو يتوقع دائما أنه سوف يتعرض لخطر كالذي مر به، فيحدث له نوع من الحركات اللاإرادية، كما يخشى النوم بمفرده حتى لو كان قد سبق أن تدرب عليه ومارسه. وينسحب الخوف على أي نشاط يمكن أن يفعله بمفرده وقد يصل الأمر في حالة الخوف الشديد إلى عدم قدرته على دخول الحمام بمفرده أو حتى التحرك لعدة خطوات بعيدا عن أسرته.

ودائما ما يلفت الطفل المحيطين به إلى أنه يشعر بأن هنا أو مكروها سوف يقع كالذي حدث ويربط بين ما حدث قبل الأزمة وما يراه الآن، أو يعبر عن ذلك في صورة قلق يظهر من خلال ملامح وجهه أو رعشة يديه أو حتى في مشكلات البلع أو رفض تناول الطعام، أو الارتداء لممارسة كان الطفل قد تخلص منها، كالخوف من الظلام والالتصاق بالوالدين أو من يمثلهم فيربط حركته بحركتهم ولا يستطيع نهائيا الانفصال عنهم، وانخفاض القدرة على التركيز وبعض القدرات المتعلقة بالتحصيل الدراسي، وزيادة الغضب والعنف السلوكي واللفظي، والإحباط وربما تظهر سلوكيات غير مقبولة سواء موجهة للآخرين أو موجهة لنفسه خاصة لدى المراهقين فنجد الطفل يدخل في ثورات غضب لأتفه الأسباب أو حتى دون سبب، أما العنف فيظهر من خلال كسر ما يقع تحت يده من أشياء أو قذفها، وضرب أقرانه من الأطفال، وأحيانا ضرب بعض أفراد أسرته، كذلك يظهر العنف اللفظي في صورة سب الأشخاص أو الأشياء، والذي يعبر من خلاله عن حالة السخط التي تعم شخصيته، ويظهر العنف نحو الذات في صورة تعمد إصابتها فيؤذي نفسه، ويظهر لديه الإحباط في صورة عدم رغبة في المشاركة أو غياب الاندماج مع الآخرين والتعبير عن عدم جدوى أو فائدة أي تصرف يفعله له الآخرون، ورفض الحدث وإنكاره، فهو لا يحتمل مجرد تصديق أن هذا الحدث قد تم بالفعل فينكر ذلك تماما، ولا يصدقه وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وعدم الرغبة في التعبير عما يعانيه أو الدخول في تواصل ونقص الطاقة، فنجده خاملا لا يحرك ساكنا ولا يرغب في أي نشاط.

إذا كانت هذه هي الأعراض التي تظهر في البداية كاستجابة تظهر على الطفل فإن هناك العديد من الاضطرابات المرضية الأخرى التي قد تظهر، ربما، في وقت متأخر من حدوث الكارثة، فنجد أن الطفل يدخل مثلا في حالة من الاكتئاب مثله مثل الكبار.

 

تقديم الدعم

لا بد هنا من التذكير بمعلومة مهمة، وهي أن علينا ألا نخشى من بكاء الطفل وتعبيره عن تألمه وتكرار رواية ما شاهده، ولا نطلب منه في أول الأمر التوقف عن ذلك، بل ربما نساعده على البكاء والتحرر مما بداخله؛ فالبكاء متنفس، والرواية متنفس، والحركة متنفس، فلا نحرمه منه قدر الإمكان. والخوف حق طبيعي للطفل، ولا يمكن منعه على الأقل في المراحل الأولى التي تعقب التهديد الشديد الذي تعرض له الطفل. كذلك الشعور بعدم الأمان، وربما رفض ما حدث، كذلك ثورات الغضب، كلها حقوق إنسانية يعبر بها الطفل عما إصابة من ضرر. فهؤلاء الناجون هم ناجون بأجسامهم فقط ولكن نفوسهم حزينة نتيجة لما تعرضوا له. ودورنا هو المساعدة على إعادة بنائهم.