مجلة البعث الأسبوعية

سورية والرأي العام الأوروبي

د. مهدي دخل الله

يبدو أن جزءاً واسعاً من الرأي العام الأوروبي أصبح أكثر تعاطفاً مع ” الحالة السورية ” أو ” المسألة السورية ” ، كما يدعوها لسان العالقات الدولية ومصطلحاتها . هذا الجزء أكثر أتساعاً في الساحة اللاتينية ( إيطاليا و فرنسا و إسبانيا و البرتغال ) منه في الساحة الأنكلوساكسونية ( ألمانيا وبريطانيا ) .

ليس السبب في هذا التعاطف المتزايد أن الرأي العام الاوروبي اكتشف عدالة المسألة السورية .. لا أبداً !! العدالة لا تهم الأوروبيين كثيراً ، ففي ثقافتهم تحتل القوة مكان الصدارة في سلم القيم . الأمر الجوهري الذي أسهم في تعاطف الرأي العام مع سورية هو ظاهرة مدهشة تتلخص في صمود سورية وتصديها لسنوات طويلة ضد قوى عالمية كبرى وإرهاب منفلت من عقاله ..

يتساءل الأوروبيون : من هي هذه الدولة الصغيرة ، ومن هو شعبها وجيشها وقائدها حتى يمتلكوا من القدرة على الصمود أمام آلة مخيفة لا يصمد أمامها أحد ؟ من هنا تبدأ مشاعر الإعجاب .. قدرة سورية على التصدي . لا يهم الإنسان الأوروبي هل قضيتها عادلة أم لا ، العدالة ليست في قاموس اهتماماتهم ..

لنتذكر فييتنام في الستينات . كانت جبهة التحرير ( فييتكونغ ) تلقى إعجاباً ودعماً منقطع النظير من الشارع الأوروبي على الرغم من أن الجبهة شيوعية والشارع المذكور كان معادياً للشيوعية . مستند الإعجاب والتأييد هو القدرة المدهشة التي واجه فيها الشعب الفيتنامي الصغير والفقير آلة الحرب الأمريكية الهائلة ..

أواخر عام 2014 ، شاركت في ندوة حول سورية عقدت في إيطاليا . كان من بين المشاركين خمسة أعضاء من البرلمان الإيطالي . عندما حدثتهم عن صمود سورية بقيادة الرئيس الأسد ، قالوا لي : ” لست مضطراً للشرح ، نحن هنا في إيطاليا نرى في الرئيس الأسد تشي غيفارا عالمياً في مواجهة الإرهاب الدولي ” . ولمن لا يعلم فإن اسم تشي غيفارا عند الأوروبيين يرمز إلى البطولة والشجاعة في مواجهة الطغيان الامبريالي في أمريكا اللاتينية في الستينيات .

بعد الندوة وعدني البرلمانيون بأن يستدعوا وزير الخارجية الإيطالي إلى استماع برلماني ليعرضوا احتجاجهم على موقف إيطاليا تجاه سورية . حصل هذا فعلاً .. لكن الوزير قال أن بلاده مضطرة لتطبيق قرار الاتحاد الأوروبي وإن كان لا يعجبها . وهذا القرار ، حسب قول الوزير ، بالنسبة لسورية تحدده فرنسا ويوافق عليه الاتحاد ..

mahdidakhlala@gmail.com