لا أحد سيبكي في سورية
بسام هاشم
أربع وعشرون ساعة، هي اليوم الأول على الزلزال، أظهرت أن الألم والوجع سيبقيان قدراً سورياً حتى إشعار آخر، ولكن – وأيضاً – سورية تتعملق بجراحها، والجراح السورية كاشفة، مهيبة، تصدح بالحقائق المجلجلة عن السقوط الجماعي والنهاية الفضائحية: نهاية عصر النفاق الغربي، وتواري المجتمع الدولي في معاييره المزدوجة ومكاييله الفاضحة.. فهناك لدى سورية، حتى في عمق مآسيها وكوارثها، ما يمكن أن تقدّمه لأشباه كياناتٍ ودول لم تعُد تخجل من عُرْيها وعجزها واستسلامها، في نومها وصحوها اليومي على إيقاع التبعية المُهينة للولايات المتحدة الأمريكية.. أو هذا ما تصرّح به على الأقل في الغرف المغلقة!.
لماذا كل هذا الحقد على بلد مشكلته الوحيدة أنه شكّل – ويشكّل- بقعة ناصعة ونافرة، وخارج السياق، في محيط من الوضاعة السياسية والأخلاقية التي وصلت حدود التفريق في الموت الواحد، والتمييز العلني بين الضحايا؟ وكيف تتحوّل دبلوماسية المساعدات من وسيلة متعارف عليها للتعبير عن التضامن والتعاطف والمشاركة في المصاب إلى أداة بائسة لإظهار الالتزام “الصارم” بمدوّنة السلوك التي وضعتها واشنطن لمحمياتها في المنطقة؟.
وما هي حقيقة عقوبات غربية “لا تستهدف الشعب” السوري، بينما يصارع السوريون بما لديهم من جبروت وكبرياء، وبما تبقّى لهم من أجهزة ومعدات – بالكاد نجت من التخريب والتدمير والسرقة – في محاولة لإنقاذ ناجين مفترضين، وانتشال ضحايا الزلزال وسط ركام المباني المنهارة فوق رؤوس أصحابها، مواطنيهم وأبناء بلدهم، في عشرات المدن المنكوبة؟.
تساؤلات تنضح بالمرارة، ومشاعر أسفٍ تفيض بالحزن والغضب، كانت تعصف بكثيرين، داخل وخارج سورية، كانوا يتابعون، لحظة بلحظة، كيف صنع الجبابرة العصيّون على الاقتلاع، مرة أخرى، يوماً لـ”المقاومة المدنية”.. يوماً توحّد فيه الجميع وتألّق خلاله تضامنهم الجماعي لصياغة أداء رفيع المستوى.. ويوماً كان مذهلاً بكل معنى الكلمة، حين عبّر، بكل إبهار، عن تلك الكفاءة العالية في التعاطي مع الحدث / الفاجعة الوطنية، وأكد مرة جديدة قدرة السوريين على إدارة الأزمة، ومواجهة تداعيات الكارثة، بموارد ذاتية متواضعة، وبتواضع – هو من صفات الآلهة – قل نظيرُه!.
لقد استفاق السوريون على خبر الزلزال، ليترأس السيد الرئيس بشار الأسد، في ساعة مبكّرة من الصباح، اجتماعاً طارئاً للحكومة تم خلاله وضع الخطة الوطنية لمواجهة تداعيات الكارثة، وكان واضحاً طوال اليوم، أيضاً، أن الحكومة تعمل مع حزب البعث ومع المنظمات والنقابات والمجتمع المحلي، ومع القطاعين العام والخاص، كأوركسترا واحدة، في متابعة عمليات الإنقاذ والدعم وتأمين مستلزماتهما المادية والبشرية، وفي جهدٍ جماعي، عابرٍ للمحافظات، اختلطت فيه الغيرة الوطنية في تجلياتها العفوية والصرفة بالتفكير المنهجي والعمل المنظم، وحتى بالدخول إلى أكثر التفاصيل تأنياً ودقة.. لقد تم تحريض العامل الذاتي إلى أقصى درجاته الممكنة، ومكّن ذلك من خلق مساحة من التعاطف المشترك، والآخذ بالتوسّع تدريجياً، ليشمل مختلف المناطق المنكوبة، دون استثناء، وخاصة مع تنامي الوعي بوحدة المصير في لحظة حاسمة، وفي مواجهة واقع من التجاهل واللامبالاة التزمه، بلا تردّد، مموّلو الحرب وداعمو المشروع التقسيمي في سورية، وعلى ضفّتي الحرب عليها..
لقد أكدت كارثة الزلزال، تأكيداً قاطعاً، أن الشعب السوري هو الذي يدفع ثمن العقوبات الجائرة والإجرامية، وأن التلطّي وراء عبارات جوفاء ومزاعم كاذبة ومضللة لن يغطّي حقيقة أن المستهدف بالعقوبات هو مواقف سورية الوطنية ولا شيء آخر؛ ومن كان يتابع تصريحات كبار المسؤولين الغربيين، طوال ساعات أمس، يدرك حقيقة المناورة الفاضحة والتهرّب المكشوف في تضاعيف خطاب متهافت ولغة ملتوية تصارع دون جدوى لمداراة اتهامات صارخة بالازدواجية.
لا أحد سيبكي في سورية، فصوت أشقائها وأصدقائها الحقيقيين والشجعان يعلو أكثر فأكثر، ولن ننتظر رفع العقوبات بقرارات عكسية.. فالعقوبات تتداعى عملياً، وبقوة التناقضات الأمريكية ذاتها، وسورية المنكوبة تتعرّف أكثر فأكثر على مكامن قدراتها وإمكاناتها الخفيّة، لتأخذ موقعها ودورها في عالم الشرف والكرامة الذي صنعته بتمسّكها بمواقفها..
ارفعوا العقوبات المفروضة على سورية.