اقتصادصحيفة البعث

“الزلازل السورية” التي ستقصم ظهر ” قيصر” وغاياته

دمشق – قسيم دحدل

لم تكن سورية في حال كارثي ومأساوي اقتصادي وجيولوجي طبيعي ومناخي، كمثل الحال الذي تمرّ فيه حالياً، فقبل نكبة الزلزال التي نعاني مخاضاتها الآن، والتي وللحقيقة قصمت ظهرنا، تعرّضت سورية لعدة نكبات، بدءاً من الحرب الإرهابية الظالمة التي شُنت عليها طوال 10 أعوام ولا تزال، ومن نحو 120 دولة غربية وعربية بزعامة رأس الأفعى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، إلى النكبة الصحية التي تمثلت بـ “كورونا”، فالنكبة الاقتصادية والنقدية، ولتأتي نكبة الزلزال الذي ضرب مناطق ومدناً (حلب واللاذقية وطرطوس وحماة وإدلب..) في شمال وشمال غرب سورية.

ليس هذا فحسب، ففوق تلك النكبات المتتالية التي ندر أن شهدتها دولة وتعرّض لها شعب في التاريخ، كان قانون العقوبات الأمريكي الغربي المسمّى “قيصر”، الساري اعتباراً من حزيران 2020، الذي فُرض على سورية أيضاً، ليزيد من معاناة السوريين ومآسيهم المعيشية والحياتية والاقتصادية.

ورغم كلّ هذا التوحش في المشهد الإجرامي الموصوف والمتعمّد المتكامل الأركان من الغرب وأذنابه، إلاَّ أن الغرب وعلى رأسه أمريكا لم تهزه هذه الكارثة الإنسانية، كي يكسر عقوباته، ولو في شقها الإنساني والإغاثي المُراعى في قوانين الأمم المتحدة نفسها، والتي تسمح – في زمن الكوارث – بمدّ يد العون والمساعدة، بعيداً عن أي صراع سياسي وأيديولوجي، فالإنسان هو الإنسان في كلّ مكان، وحقوقه التي يتغنّى بها الغرب والذي اتخذها حجة لتدمير بلادنا بغاية “تحريرها”!، هي حقوق كلّ إنسان يحتاج إلى الإغاثة في زمن الكوارث الطبيعية والمحن الإنسانية.

أمام هذه المشاهد الإنسانية والعمرانية المؤلمة التي خلفها الزلزال، والتي تهزّ المشاعر وتقشعر لها الأبدان، ضربت العديد من الدول الصديقة وبعض العربية، عرض الحائط بقانون قيصر، وأعلنت وأرسلت المساعدات البشرية والمادية والعينية، في موقف سيسجله التاريخ، كما سيسجله قبلاً للإنسان السوري في وقفته وهبّته الواحدة لنجدة وإغاثة أخيه السوري، وهو الإنسان نفسه والدولة نفسها اللذين لم يبخلا يوماً على أي شقيق أو صديق في أوقات الحرب والضيق، والشواهد لا تزال حيّة ماثلة، عندما فتحا قلبهما قبل بيوتهما وسخّرا كل الإمكانيات الفردية والجماعية نصرة للإنسان في كلّ مكان، وتحملا الكثير من الأعباء السكانية والمالية والصحية والبيئية وغيرهما حتى العام 2011.

هذه الدولة وهذا الشعب اليوم، يطالبان وبكثير من عزة النفس، بكسر الحصار واختراق العقوبات الظالمة التي كشفت أن غاياتها ليست إسقاط نظام بل تدمير دولة وتمزيق وطن وتجويع شعب وإركاعه، ليسلم بما يريده الغرب خدمة للكيان الإسرائيلي الغاصب، وتحييداً للدور التاريخي والحضاري والمحوري الفاعل والمؤثر لسورية والإنسان السوري في صياغة عالم جديد متعدّد الأقطاب، وكسر نظام الهيمنة الدولية للقطب الواحد.

ما يدعو للتفاؤل أن قوة الحق السورية والموقف السوري والصمود الأسطوري للإنسان السوري بدأت تؤتي أكلها، حيث أثبت عدد من الدول الشقيقة كالجزائر والعراق ومصر والإمارات ولبنان وعُمان والأردن وليبيا وتونس وفلسطين..، وبما أعلنت عنه من مواقف وأرسلته من مساعدات إغاثية، كسرها للعقوبات والإقرار بأنها ظالمة كونها تستهدف الشعب السوري بكامله والإنسانية فيه وفي العالم بأسره لكون هذه الإنسانية لا تُجزأ.

وما فعله عدد من الأشقاء كان سبقهم إليه العديد من الأصدقاء من الدول الحرة في العالم، فمن روسيا وبيلاروسيا والصين وإيران ثم الهند وباكستان وفنزويلا وكوريا الديموقراطية ودولة الفاتيكان..، تتالت مواقف الدول واتسعت مشاركاتها في مشاطرة الدولة السورية والشعب السوري هذه المأساة الإنسانية، لتؤكد وقبل وقوفها معنا في هذه الكارثة أن سورية كانت ضحية مؤامرة كبرى استطاعت بصمودها كشف حقائقها وخفاياها الإقليمية والعالمية، الأمر الذي توجَّب عليه إعادة الحسابات وتصحيح المسارات والجزم في المواقف، فكان كسرها للعقوبات الأمريكية وفك الحصار وإسقاط العقوبات، خير دليل على السقوط المدوي لمشاريع الهيمنة والإخضاع الاستعمارية الأمريكية والأوروبية الغربية.

كل هذا التحوّل في المواقف والأفعال لمن كان يتخذ المغاير تماماً، صنعه السوريون بصبرهم على البلوى وصمودهم على الحق، فاستحقوا وبما أبدوه من تعاضد وتضامن وتعاون ومساعدة لبعضهم البعض وتقاسمهم آثار وتداعيات الكارثة، صفة “الشعب الذي لا يُقهر” رغم كلّ جسامة المحن والكوارث السياسية والاقتصادية والطبيعية.

Qassim1965@gmail.com