واشنطن تسقط في الدرس الأخلاقي
علي اليوسف
بعد أكثر من 11 عاماً من الحرب الهمجية على سورية، وفرض عقوبات اقتصادية لا مثيل لها في التاريخ الحديث، والتي أدت إلى ارتجاجات كثيرة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية. هذا السلوك اللا أخلاقي -مع وقوع الزلزال في شمال سورية- دفع العديد من النقاد إلى الجدل حول سيناريوهات يجب أن تقوم بها الولايات المتحدة لرفع عقوباتها في هذه الأوقات العصيبة، خاصة وأن وظيفة العقوبات لم تسفر عن النتائج التي كانت تتطلع إليها الولايات المتحدة، لأسباب كثيرة لسنا في وارد ذكرها الآن.
حالياً، بعد أن تناولت الصحافة الأمريكية على كافة مشاربها موضوع الزلزال في سورية، وتناولت موضوع العقوبات التي لا طائل منها، يسود الاعتقاد بأن الطريقة الوحيدة للولايات المتحدة لإعادة التعامل مع سورية هي من خلال رفع العقوبات مباشرة، لأنه لم يكن لها أي تأثير سوى زعزعة الاستقرار الاقتصادي، والوقوع في الفخ الأخلاقي الذي تتبجح به واشنطن ليل نهار. كما أنه من الضروري أن تتعامل أمريكا مع سورية بواقعية أكبر، وتخصيص المزيد من الموارد لتقليل العواقب السلبية للعقوبات، وتقليل معانات السوريين الذين شملتهم العقوبات بشكل جائر.
هذا الجدل الدائر دفع الخارجية الأمريكية، بعد محاولة استغلال الكارثة، للتأكيد مجدداً على أنها لا تريد مساعدة الشعب السوري، بل الانتقائية في المساعدات، حيث قال المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، خلال الإيجاز الصحفي اليومي، إن بلاده ستقدم الدعم عن طريق المنظمات الشريكة، بمعنى عن طريق أدواتها الإرهابية، وبالتالي فإنها ستساعد الإرهابيين الذين استجلبتهم من كافة أصقاع الأرض إلى شمال حلب. وحتى في ذالك الإيجاز الصحفي، كان التمييز واضحاً ليكون سقوطاً أخلاقياً آخر لمن يتشدق بحقوق الإنسان حين قال برايس حرفياً: “بينما تعتبر الحكومة التركية شريكة للولايات المتحدة، يختلف الأمر بالنسبة لسورية”.
إن هذا النهج الذي تصّر واشنطن على اتباعه حتى في ظل الكوارث الطبيعية، لا شك أنه يضرّ بالعمل الإنساني، لأن الزلزال الذي عصف بمناطق في سورية يستدعي من كلّ الشعوب والدول وقفة تضامنية جادة ومسؤولة، لأن التفاوت في مدى التعبير عن التضامن والدعم وإرسال المساعدات، انطلاقاً من مواقف سياسية وفي خرق فاضح للإنسانية، هو أكبر دليل على أن هذه المنظومة الأميركية ومن يدور في فلكها، تكيل بمكاييل متعدّدة ولا تنظر للأمور بعين الأخلاق والإنسانية. إن هذه المسألة باتت واضحة، وعبر التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية وصولاً اليوم إلى الحصار اللا إنساني على سورية، والذي بات يصنف كجريمة حرب في ظل وجود أطفال ونساء ومدنيين أبرياء تحت الأنقاض.
لا شك أن نكبة كالزلزال القوي الذي ضرب سورية يستوجب من كلّ الدول والمنظمات التكافل والتضامن لمدّ يد العون للمنكوبين والمتضررين، وتقديم كل أنواع المساعدة لإزالة الأضرار الكارثية، لكن أين المنظمات الإنسانية العربية والدولية؟ أين مجلس الأمن والأمم المتحدة؟ أين جامعة الدول العربية؟.