التضليل لم يعُد ممكناً.. ولا بدّ من رفع الحصار
طلال ياسر الزعبي
رغم تزايد المطالبات العربية والدولية برفع الحصار والعقوبات الجائرة الأحادية الجانب المفروضة على سورية من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، تصرّ الإدارة الأمريكية على عدم سماع هذه الأصوات، بل تتبجّح بالقول: إن هذه العقوبات لا تعيق مطلقاً عمليات الإغاثة الجارية الآن في سورية بعد أن ضربها زلزال مدمّر أدّى إلى آلاف الضحايا والمصابين والمفقودين.
وفي الوقت الذي تستمرّ فيه طائرات الشحن من الدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة بالهبوط في مطاري دمشق وحلب حاملة المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري المنكوب، وذلك في تحدٍّ واضح على الأرض للحصار المفروض أمريكياً، وخاصة المساعدات الإنسانية القادمة من العراق وإيران براً عبر الحدود السورية العراقية خارقة الحصار الأمريكي المفروض قسراً على سورية، يحاول البيت الأبيض تجاهل الأمر وعدم التعليق عليه لأنه يجد نفسه مضطرّاً للسكوت على ذلك حتى لا يثير مزيداً من الانتقادات الموجّهة إليه حول تعاطيه مع الكارثة الإنسانية في سورية.
هذا الصّلف الأمريكي جعل الكثير من الأصوات في المنطقة والعالم تتعالى بضرورة رفع الحصار المفروض على الشعب السوري، وخاصة في هذا الوقت العصيب الذي يتجه فيه العالم نحو التعاطف مع مأساته المستمرّة منذ نحو اثني عشر عاماً، وتصرّ الإدارة الأمريكية على إطالة أمدها طمعاً في إذلال الشعب السوري وإجباره على الخضوع للإرادة الأمريكية اللذين هما السبب الرئيس في هذا الحصار، ولا علاقة حقيقة لأيّ اعتبارات سياسية أخرى بهذه العقوبات أصلاً.
الإدارة الأمريكية الآن تجد نفسها عارية أمام شعوب العالم أجمع، وهي تتعمّد إطالة معاناة الشعب السوري تحت أسباب ومبرّرات واهية، وبذلك لا تستطيع أن تقرّ برفع العقوبات عنه لأنها تعدّ ذلك هزيمة لعمل متواصل دأبت عليه منذ بداية الأزمة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع التعرّض لقافلات المساعدات المتجهة إلى سورية لأنها إذ ذاك تفصح عن رغبتها الأساسية في تدمير هذا الشعب عقوبة له على صموده الأسطوري في وجه أعتى هجمة إرهابية عرفها التاريخ، جيّرت لها واشنطن آلاف الإرهابيين من شتى بقاع الأرض، وحشدت لها الإمكانات المادية والدعم السياسي والعسكري والإعلامي، وعملت على معاقبة جميع الجهات والدول التي تحاول الدفاع عن سورية في وجه الهجمة أو توضيح حقيقة ما يجري.
واشنطن الآن ترى أن الجهد الهائل الذي بذلته في سبيل تدمير سورية والحصول على مكاسب جيوسياسية منها، ذهب أدراج الرياح حيث عادت الأنظار من جديد لتتوجّه إليها، ولكن هذه المرة بطريقة مأسوية إلى حدّ ما، فالتغييب الذي كان حاصلاً للضمير العالمي عمّا يحدث في سورية من إرهاب عبر التضليل الإعلامي الذي مارسته آلة الدعاية الأمريكية والغربية وتوابعها، سقط سقوطاً مذلّاً أمام تغطية الحدث الجلل الذي جاء عبر الزلزال المدمّر الذي ضربها، حيث شاهدت جميع دول العالم أن الوضع المأسوي في سورية لا يحتمل مزيداً من التسييس للوضع القائم، بل بات لزاماً على الجميع النظر في طريقة واضحة لرفع هذه العقوبات، وربما بدأ العد التنازلي لذلك رغماً عن أنف واشنطن.
هذا كله ربما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار صوري بتجميد جزئي للعقوبات أكدت سورية أنه قرار مضلّل الهدف منه إعطاء انطباع إنساني كاذب، وهو علاوة على ذلك محاولة جديدة لخداع الرأي العام العالمي، وإعطاء مشروعية بأثر رجعي للإجراءات القسرية الأحادية التي فُرضت سابقاً من خارج الولاية القانونية لمجلس الأمن، وبالتالي لا يمكن الاستمرار في الخداع ولابدّ من رفع العقوبات.