الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الغرب والزلزال.. والكذب!

حسن حميد

بلى، ألمُ الفقد، بعد كارثة الزلزال، لفَّ بلادنا العزيزة، لأنّ الشعور الوطني تجلّى في كلّ أشكال التعبير، فكلُّ أسرة فقدناها، هي مصاب الجميع، وكلّ بيت تهاوى هو أرواحنا التي هوت معه، وكلّ انتظار مُرّ لنا كي ينجو أحد ما من تحت الأنقاض، غدا فرحاً شخصياً لكلّ واحد منا وهو يرى الأيدي تزيح الركام جانباً، وتستلّ طفلاً رضيعاً ما زال حيّاً يبحث عن أمه، أو تستلّ شيخاً عجوزاً ما زال يمسك بعكازته، أما الحزن والبكاء فبدا كلٌّ منهما حين رأى الواحد منا، الأنقاض وهي تنكشف عن زوج وزوجة أحدهما يشدّ الآخر إليه خوفاً عليه، وقد ودّعا الحياة بعدما تهاوى منزلهما عليهما معاً.

لم تكن كارثة الزلزال امتحاناً لنا، كي نرى وجوه التعاضد، والتعاون بين أهالينا، ولا كي نسمع سؤال الجار عن الجار، ولا كي نرى وجوه القهر لأسرة أحناها فقدُ أسرة بكامل أفرادها، لم يكن الأمر الكارثي هذا امتحاناً لمحبتنا، لأنّ ما عشناه من امتحان طويل خلال سنوات العشرية الدموية الفائتة كشف عن أخلاقيات سورية غاية في النبل، وعن سلوكيات سورية غاية في السمو حتى استطعنا ردّ الهجمة الوحشية التي طالت كلّ غالٍ وعزيز من البيت إلى المدرسة، ومن المعمل إلى المشفى، ومن المؤسسة إلى ملجأ الأيتام.

لم يكن التفاف أبناء سورية جميعاً حول الزلزال الكارثي جديداً أو غريباً، لأنّ أهل سورية، آمنوا بخلاصهم معاً من كلّ شر يحاول أن يصيب طرفاً من أطراف الأراضي السورية، لهذا كان الجميع، ومن كلّ الجهات السورية، صوتاً وطنياً واحداً، ويداً واحدة، وقلباً واحداً، وقدرة واحدة واجهت الكارثة للخلاص مما حملته من أذيّات!.

الغريب والموحش والمستهجن هو مواقف الدول الغربية التي لاذت بالصمت والفرجة على ما حدث في سورية، وكأنّ ما حدث لم يحدث فوق الكوكب الأرضي، وهذه الدول تدّعي المدنية، وتنادي بالسلام والعدالة، وتتحدث عن حقوق الإنسان، وسيادة البلدان، وهذه الدول لها جمعيات ومنظمات تدافع عن حقوق الإنسان، ولها جمعيات أخرى تدعو إلى الرفق بالحيوان، وهذه الدول وقّعت الاتفاقيات من أجل الحفاظ على سلامة البشر، والحفاظ على كوكب الأرض؛ والتعاون والمؤازرة وقت حدوث الكوارث الطبيعية!.

الغريب هنا هو الغريب، والنفاق هنا هو النفاق، والكذب هنا هو الكذب، والانحياز هنا هو الانحياز الذي عهدناه من الدول الغربية، وكأنها غدت كتلاً خشبية أو رخامية أو صخرية، أو قل لكأنها غدت كائنات تتحرّك وتجول من دون مشاعر، من دون إحساس!.

كلنا يذكر بكاء الغرب على الكلبة (لايكا) التي وضعت في مركبة فضائية كيما يختبر العلماء قابلية عيشها داخل المركبة في شروط مُناخية جديدة، ولكن الغرب لم يذرف دمعة واحدة على كوارث إنسانية هائلة في آثارها، صنعها بيديه، مثل المأساة الفلسطينية، ومأساة الهنود الحمر، ومأساة هيروشيما وناغازاكي، والحربين العالميتين الأولى والثانية، واليوم لم يذرف الغرب دمعة واحدة على ضحايانا في كارثة الزلزال المخيف، بل لم تكتب وسائل إعلامه سطرين تعاطفاً مع من فقدناهم، ومع من فقدوا بيوتهم وأحلامهم وبعضاً من ذويهم!.

لقد أثبتت الأزمنة، والأحداث والحادثات، أنّ الغرب غدا كتلة عمياء تدور حول مصالحها، وأنّ كلّ حديث له عن المشاعر، والحقوق، والقيم، هو حديث زكام تفوح منه حمّى الكذب والنفاق!.

فأيّ غرب هذا، الذي يلبس أقنعة الطرش والخرس والعماء، وقتما يشاء، تجاه القضايا التي لا تهمّه، وأيّ غرب هذا الذي لا يؤمن بما كتبه كتّابه ومفكروه، ولا بما عمل عليه فنانوه، ولا بما وضعه الحقوقيون من قوانين.. إنه غرب يشكو من الازدواجية التي غدت مرضه الجليّ بآثاره الباديات، منذ 500 سنة وأزيد!.

Hasanhamid55@yahoo.com