زلزال يهز “قيصر”
علي اليوسف
للوهلة الأولى يبدو أن القرار الأمريكي برفع الحظر عن سورية هو قرار إنساني، لكن من يمعن النظر في صلب القرار، يجد أنه يحمل الكثير الكثير من المغالطات الأخلاقية والإنسانية، إذا.. ماذا يعني قرار وزارة الخزانة الأمريكية؟
إن هذا الإعلان هو ليس رفعاً شاملاً للحظر لمدة ستة أشهر، كما يبدو، بل هو رفع حظر مشروط وجزئي عما سمّي “المواد الإغاثية”، وهذا يعني أن الولايات المتحدة هي المتحكمة في تسمية المواد الإغاثية المسموح لها بالدخول إلى الأراضي السورية. وحتى صيغة القرار تحمل في طياتها نوعاً من الاستعلاء على العالم، وليس على سورية المقصودة بقرار الحظر فقط، لأنه عندما يصدر القرار عن وزارة في الحكومة الأمريكية، فهذا يعتبر في العرف الدبلوماسي استعلاءً على دول العالم، لأن القرار يلمح بهذا الشكل إلى أن العالم ودوله تابع للحكومة الأمريكية، وخاضع لأوامر وزارة الخزانة الأمريكية التي تمتلك آليات تنفيذ هذا القرار، بل مراقبة التنفيذ. وعليه، ما دام قرار رفع الحظر الجزئي والمؤقت لم يصدر عن الرئاسة الأمريكية، ولا من الكونغرس، فهذا له مداليله الكثيرة.
إن قرار وزارة الخزانة الأمريكية تجاه سورية، ليس قراراً إنسانياً، بقدر ما هو قرار يهدف إلى ذر الرماد في العيون، إذ ما معنى هذه المعايير المزدوجة في التعامل مع كارثة الزلزال التي زادت من معاناة الشعب السوري؟ وما معنى هذه الخطوة الصغيرة بتعليق أحكام “قيصر” عن سورية وشعبها لبضعة أشهر؟ من الواضح أن الهدف العريض ليس كما هو معلن، بل هو فرض شروط جديدة على كل دولة تريد تقديم يد العون والمساعدة الإنسانية للمنكوبين وضحايا الزلزال، أي أنه لابد من أخذ موافقة الخزانة الأمريكية في أي تعليق للعقوبات وأي إجراءات لفك الحصار.
لكن النموذج الحي، الذي قدمه السوريون بعد كل هذه الأوجاع، هو نموذج تجاوز نفسه وشكل حاملاً لدولة بما تعنيه الكلمة من معنى بعد تلك السنوات القاسية. هذا النموذج له دلائل كبيرة، وأبعاد عميقة جداً، وهي أنّ الوطن الذي استهدف ما زال حياً، وقادراً على النهوض من تحت الركام، وإن الحملة الشعبية التي يقودها أحرار العالم من كل البلدان لفك الحصار وكسره عن الشعب السوري، سيكون لها التأثير المباشر على الرأي العام العالمي، وبالتالي فإن الفرصة مؤاتية لكسر “قيصر” وغيره، وفضح سياسة الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان وشعاراته المزيفة التي أظهرتها كارثة الزلزال وطريقة التعاطي معها.
لذلك من الضرورة، بمكان، تشكيل رأي عام عالمي ضاغط من أجل إلغاء قانون “قيصر”، وتأمين مستلزمات أعمال الإغاثة وتأمين متطلباتها ليس على المستوى العربي فقط، بل على مستوى العالم الحامل لشعارات الإنسانية المغلفة بالنفاق وازدواجية التعامل الأخلاقي.