“طبول تكلا ماكان” تقرع في وجه التّطرّف
نجوى صليبه
“أيّتها الخالة تورنيشا” عبارة اعتادت الطّفلة “آيكول” أن تكون مطلع رسائلها إلى الرّاقصة التي زارت قريتها وأحيت احتفالاتها الشّعبية، وأحبّت أن تعلّمها الرّقص لتصبح مثلها في المستقبل.. رسائل كثيرة أرسلتها “آيكول” مرفقةً برسوماتها الملوّنة عن الرّقص الشّعبي في القرية كما رسمت “تورنيشا” وهي ترقص بسعادة وفرح وكبرياء، لكن للأسف لم يصلها أي جواب، فقد كانت “تورنيشا” خارج البلاد تكمل دراستها، وهذا ما لم تكن تعرفه “آيكول”، فحزنت كثيراً وتوقّفت عن إرسال الرّسائل.
تمرّ سنوات ثمان، وبينما يبحث “عالمجان”، زوج “تورنيشا”، عن أحد الملفّات في مكتبه، تسقط تلك الرّسائل فيعيد قراءتها، ويتذكّر أنّه أخبر زوجته عنها ووعدها بالتّصرّف، ولأمر ما نسيها، لكن اليوم لامجال للنّسيان مجدداً، فيطلب من مديره “جيان جيانغ” أن يكون ضمن فريق الاستطلاع على ظروف معيشة السّكان في قرية “تكلا ماكان”، على الرّغم من أنّ اسمه غير مدرج في جدول هذا العام، ومقابل إصراره لا يجد القائد مفرّاً من القبول.
تصل الحافلة إلى حدود القرية، وتلمحها “آيكول” التي كانت ترقص على إيقاع طبل صديقها “آيشانجان” خلسةً قرب النّهر، فيتوقفان ويعودان كلّ إلى منزله، هو إلى منزل جدّه “توهوتي” الذي يعيش معه بعد وفاة أمّه وزواج والده وانتقاله إلى قرية أخرى، وهي إلى منزلها حيث تعيش مع جدّتها التي تحيك لها الفساتين الخاصّة بالرّقص ووالدتها المغلوب على أمرها، ووالدها المتطرّف، وكما منعها من إتمام تعليمها في السّابق، يمنعها اليوم من الرّقص حتّى في المنزل مع جدّتها، لذلك في أحد الأيّام وفور عودته من العمل، يحطّم التّلفاز ويحرق فستان الرّقص، ويقرّر تزويجها لأوّل من يطرق بابه.
يحاول فريق العمل التّحسين من السّكن الذي خصّصه لهم السّكرتير “قاسم”.. ينظّفونه ويطلون جدرانه ويزينونها ويرفعون علماً جديداً عوضاً عن القديم، ويضعون مخططهم الذي يجب أن ينفّذوه خلال فترة وجودهم، وبينما هم منشغلون بترتيب ساحته، يسمعون قرع طبول جميل، تقول عنه “شيوي” أحد أعضاء الفريق، وبحكم أنّها درست الموسيقا أكاديمياً: لديه شعور جيّد تجاه الموسيقا، وكلّ الإيقاعات التي يقوم فيها فريدة وخاصّة فيه ولم أسمع مثلها من قبل.. فيجيبها “قاسم” بحزن: إنّه عادل المجنون وهو أصمّ، ومنذ سنوات طويلة لم تقرع الطّبول في القرية، لكن القائد يتدخّل ويقول: إنّ قريتكم هي مهد طبول “ناكالا”.. عبارة يعيدها ثانيةً في مكان آخر مضيفاً عليها: إن لم يكن هناك من يقرع الطّبول نحن سنقرعها.
وفي الأيّام التّالية، ينشغل الفريق بنشاطاتهم كتوزيع الهدايا وإقامة “جدار الابتسامات” التي التقطتها كاميرا المصوّرون “آيشانجان” الذي صار رفيقهم الدّائم، وأعطوه الكاميرا الخاصّة فيه، بينما يذهب “عالمجان” للبحث عن “آيكول”، ويسأل إحدى المدرّسات فتخبره بأنّها لم تكمل المرحلة الإعدادية، وتعطيه عنوان منزلها، يصرّ على مقابلتها.. يطرق الباب ويخرج والدها ويقول إنّ ابنته لا تعرف الرّسم أو الرّقص كما أنّها لم تراسل أحداً في السّابق، فيحزن ويحتار ويتساءل ماذا سيقول لزوجته، ويبقى هذا حاله إلى أن يصادفها مرّة أخرى في الشّارع فيقول لها: إنّي متأكّد أنك “آيكول” صاحبة تلك الرّسائل، ممّا تخافين؟ يجب أن تكوني قويّة وشجاعة؟ لكنّها تبكي وتنكر الحقيقة، وتهرب بعيداً.
بدوره، يبدأ القائد “خه” بالبحث عن الطّبول، ويفشل في محاولاته الأولى، فأهل القرية وكما قال “عالمجان”: بسيطون طيّبون، لكنّ الكثير منهم خدعته وضللته الأفكار المتطرّفة.. فيلجأ إلى الجدّ “توهوتي” قارع الطّبول الأكبر سنّاً والأكثر قدماً، وما شجّعه على ذلك رؤيته يقترب من “شيوي” وهي تقرع الطّبول ويأخذ مكانها ويهمّ بقرعها، لكنّه يتردّد ويعود أدراجه حزيناً.
وبالتّوازي مع عودة إيقاعات الطّبول إلى القرية بأكملها، يسير “شيرازاديكفو” مخرج الفيلم الصّيني “طبول تكلا ماكان” في الخط الثّاني، ويبدأ بحلّ المشكلة الأخرى، فنرى والد “آيكول” يستقبل مجموعة من الرّجال والشّباب، لحظات قليلة وتأتيه الصّاعقة، فالعريس ليس ذاك الشّاب الجميل الذي يجلس بجانبه، بل ذاك الرّجل المسنّ، يصارحهم بظنونه، ليكون الجواب: كلاهما رجل!! ومثله تتفاجأ “آيكول” التي تختلس النّظر من النّافذة، فتذهب إلى غرفتها وتأخذ فستان الرّقص وتركض حتّى تصل إلى مقر الفريق، وهناك يبدّد خوفها وحزنها رؤية إحدى رسوماتها تغطّي جزءاً كبيراً من “جدار الابتسامات” كما سمّاه القائد “خه”.. تفرح كثيراً ثمّ تبكي كثيراً، وعندما تجلس لترتاح يصل والدها فيعانقها وترتاح على كتفه. مشهد يراقبه القائد “خه” و”عالمجان” بحزن ينتهي في المستشفى، حيث تعالج جدّتها التي ستقّدم لاحقاً خبرتها في حياكة فساتين أطلس الحريرية للفتيات اللواتي سيعملن في المعمل الجديد، بينما تسافر “آيكول” إلى مدينة “أورموتشي” للمشاركة في برنامج المواهب برفقة صديقها “آيشانجان”، وهناك يتحقق حلمها وترقص أمام “تورنيشا” التي كانت أحد أعضاء لجنة التّحكيم.
وهكذا يتمّ الفريق مهمته ويستعدّ للمغادرة، فيجتمع أهل القرية ليودّعوا من بثّ الفرح في قلوبهم وأعاد الحياة إلى مزارعهم والأمل إلى أطفالهم وأبنائهم، لكنّ اتّصالاً مفاجئاً يجيب عليه “خه” يتلقّى عبره خبر وفاة والدته بقهر يخفيه بابتسامة يوزّعها على الجميع، إلّا أنّ “آيشانجان” يلاحظ ذاك القهر بل يعرفه، ويسأل عمّا حدث، يجيبه بأنّ والدته رحلت أيضاً.. فيواسيه بالعبارة التي سمعها منه قبل هذه اللحظة: سنبقى أصدقاء إلى الأبد.
مشهد نعتقد أنّه الأخير، لكن قارعي الطّبول، أجداداً وأبناء وأحفاداً يصطفون مرّات أخرى وفي أماكن مختلفة يقرعون طبولهم بحماسٍ وسعادةٍ إلى أن تسدل شارة انتهاء القصّة التي كتبها “لي موشي” و”فاو هوانغ فانغ” بمشاركة المخرج.
ويبقى في الذّهن صوت “آيكول” وهي تعرّف عن نفسها: مسقط رأسي في أقصى شمال صحراء “تكلا ماكان” في قرية جبلية نائية وهي قرية تتغذّى على مياه نهر “نورلكه” النّاجمة عن ذوبان ثلوج جبال “كونلون”.