ما بعد الزلزال بقليل.. الإنسانية لحظة اختبار أخير
أحمد علي هلال
سنعبر قوس الزلزال بوعي مختلف، فما بعد الزلزال ليس كما قبله، صحيح أنه سيشغلنا سؤال تلك الهزات الارتدادية وتصاديها في النفوس والكلمات، لكن السؤال الأكبر سيبدو أبعد من لحظة بعينها حملت معها جدلية الألم والأمل، لحظة تُكتب فيها حيوات جديدة لأطفال باسمين، لحظة الناجين ومحكيات الموت والحياة، فقدر السوري أن يكون هو بذاته طائر العنقاء الذي يقوم من الرماد ليدوّن غير سيرة، أدلّها سيرة وطن يقوم وينفض عن كاهله غبار الركام، فقد كنّا على موعد مع الإنسانية بأسرها كيف تستيقظ على لحظة سورية فارقة أحدثها زلزال عاود نشاطه ليعيد لنا حقائق كانت مغيبة لوقت ما، وأولى هذه الحقائق هي صحوة الضمير بفعل استحقاق هذه اللحظة وارتداداتها في الوجدان والذاكرة، لينهض إبداع آخر هو كيف تُدوّن تلك –الحكايات الأثيرة- المتجدّدة، وكيف سنكتبها وقلم الرؤيا على اتساعه، وعلى اتساع هذه الأمداء التي تنفض كلّ وقت غبار المعارك والزلازل لتعيد سيرة المكان السوري في الذاكرة الخصبة، وليصنع السوري قدره: هو ابن الحياة بامتياز، ليس ذلك سؤال الأدب والفن فحسب، وما يمكن أن يشكل رصيداً للذاكرة كي تتسع بإطلالتها على ما نريد، بل أكثر من ذلك هو نزع أقنعة الموت بجسارة محسوبة توحّد فيها الوجدان الجمعي السوري والعربي في آن.
هي لحظة ستخرج عن تصنيفها الراهن، لتحاكي غير أسطورة مازالت الإنسانية تتغنّى بها، مع فارق بسيط أنها أصبحت اليوم سورية بما يكفي لأن يعيدها التاريخ بوصفها مرويات أكثر حداثة مما مضى، وأكثر تعالقاً بنسيج الأرواح، التي صعدت أو التي أطلت على الحياة من جديد، ولعلّ –أولئك الأطفال- الباسمين وهم يعبرون قوس الموت بألوانه الكابية إلى فضاءات ملونة، لتبدأ سير كبرى في وطن الشمس والحياة، فلحظة الزلزال بزخمها الإنساني هي ذلك الاختبار الذي وضع كلّ الأفكار كما المبادئ على المحك النوعي، وليستيقظ ضمير العالم أمام الكارثة والأدلّ أمام الأمل، صحيح أنه كما قال فيلسوف يوناني ذات فلسفة أبيقور: ليس بوسع أحد أن ينجو من زلزال، وعليه فإن الإنسانية اليوم هي أكثر من استحقاق مثير، هي مستقبل العالم.