“مشروع دُمرْ” المنطقة الأكثر مقاومة للزلازل!!
علي عبود
أتحفنا أحد المهندسين المعماريين مؤخراً بمعلومات لا تستند إلى الحدّ الأدنى من الأدلة العلمية والجيولوجية، وهي “أن دمشق الأقل عرضة من بقية المناطق للزلازل، باستثناء مناطق ضمنها تحوي تجاويف أرضية خطرة والتي يمثلها مشروع دمر وبعض الأبنية القائمة بشكل رئيسي على مزارع مثل مزارع الصنوبر في منطقة المزة.. الخ”.
السؤال الأول: هل دمشق فعلاً الأقلّ عرضة من بقية المناطق للزلازل؟
لقد نشر الدكتور محمد رقية الباحث الأكاديمي، ومؤلف كتاب “الزلازل ومخاطرها في مناطق بلاد الشام”، بتاريخ 9/ 2/ 2023 مقالة ذكر فيها تواريخ الزلازل في المنطقة، منذ عام 590 قبل الميلاد وحتى عام 1900، منها نحو 30 زلزالاً قريبة من منطقة دمشق، أهمها زلازل أعوام 565 ـ 845 ـ 991 ـ 1202 ـ 1284، و1756 وهو آخر زلزال كبير أصاب دمشق.
وسواء أكانت دمشق الأقلّ، أم الأكثر عرضة للزلازل الكبيرة، فهذا لا ينفي احتمال زلازل متوسطة تعادل الزلازل الضخمة على صعيد نتائجها الكارثية بفعل مبانيها الهشة!
السؤال الثاني: هل مشروع دمر (أي الجزء الأساسي من ضاحية الشام الجديدة)، الأكثر هشاشة والأقلّ مقاومة للزلازل؟ حسناً، لماذا لم يذكر أي مشكك بهشاشة منطقة المشروع دراسة علمية تُثبت اكتشاف تجويف خطير واحد على الأقل (كي يُبنى على الشيء مقتضاه)؟!
لو أن حديث المهندس المعماري اقتصر على الشروط التي يجب أن تنفذ في المنشآت والأبنية السكنية، لتكون أكثر قدرة على مقاومة الزلازل، لكان أجدى من التشكيك بالبنية المعمارية لمشروع دمر الذي قامت فكرته وتصميمه وتنفيذه على أيدي أكثر من 40 مهندساً سورياً لتأمين الشقق لـ 1500 مهندس أعضاء في الجمعية السكنية التعاونية للمهندسين في دمشق، قبل أن تتحوّل الفكرة إلى مشروع كبير ساهمت فيه كلّ الجمعيات السكنية المهنية!
تُرى هل كان المهندسون الذين درسوا وصمّموا ونفذوا أبنية مشروع دمر وأسواقها التجارية ومرافقها الخدمية سذجاً أو قليلي الخبرة إلى درجة غفلوا فيها عن دراسة التربة ميكانيكياً وجيولوجياً كي يتأكدوا من سلامتها وخلوها من أيّ تجاويف أرضية خطيرة؟
والسؤال الأكثر أهمية: ماذا عن المهندسين الذين يسكنون المشروع منذ عام 1980.. لماذا لم يُنبّه أيّ منهم إلى المخاطر التي تحيط بالسكان مع تخلخل أحد التجاويف فجأة، بفعل تسرب الأمطار، أو هزة أرضية كالتي حدثت عام 1996، أو الهزة الأخيرة في صباح الاثنين 6/ 2/ 2023؟ بل لماذا لم ينتقلوا إلى مناطق سكنية أكثر أماناً؟!
كما يمكن أن نوجّه سؤالاً إلى نقابة المهندسين مباشرة: ما حقيقة التجاويف الأرضية الخطيرة التي رافقت تنفيذ المشروع على أيدي مهندسين أعضاء في نقابتكم، وذلك بعد أن أصبح جاهزاً للسكن وليس خلال تنفيذه؟ هل الأمر إشاعات أطلقها متعهدو البناء أم هو حقيقة علمية؟
نعم، مثل غيري من الساكنين في المشروع، كنا نسمع في ثمانينيات القرن الماضي – وتحديداً بعد الإقبال الكثيف على شراء شقق فيه إشاعات مصدرها المكاتب العقارية – حول تخلخل التربة تحت أبنية المشروع، بهدف دفع أصحابها لبيعها بأسعار بخسة، ليقوموا بعدها بنفي الشائعة وبيعها بأسعار السوق!
وما أن استقر السكن واكتملت الخدمات والأسعار، حتى رأينا أن الشائعات حول عدم صلاحية المشروع للسكن تختفي نهائياً في عقد تسعينيات القرن الماضي إلى أن أوقظها مؤخراً مهندس معماري بعد ثلاثة عقود دون أي دليل علمي أو هندسي أو جيولوجي!
ولا بأس الآن بعد إحياء الإشاعة مجدداً بدحضها من خلال استعراض سريع لمراحل تنفيذ مشروع دمر.
لقد بدأ المشروع كفكرة عام 1975، وحرص المهندسون المعماريون والمصمّمون على تنفيذ تقنية جديدة في البناء غير مسبوقة آنذاك ولا الآن، وهي نظام بناء جدران المساكن، وقد نفذت جدران أبنية المشروع من البيتون المسلح الذي جرى صبّه بواسطة قوالب معدنية. فما ترجمة هذه التقنية؟
إنها تعني متانة البناء بطريقة غير متوفرة بأي أبنية في سورية، وجعلته كتلة بيتونية مسلحة واحدة خلافاً لتقنية البناء السائدة القائمة على أعمدة (غالباً غير متينة بفعل الغش)، وجدران من البلوك. كما أن بناء الأسقف تمّ أيضاً بتقنية “نصف مسبقة الصنع” بأعصاب بيتونية مسبقة الصنع، وبلوك الهوردي المفرغ وشبكات التسليح. وبإيجاز “تمّ تصميم جميع الأبنية السكنية والخدمات في مشروع دمر لتكون من البيتون المسلح في جميع جدرانها وسقوفها، ولم يُستعمل البلوك الإسمنتي إطلاقاً في بناء جدران الأبنية السكنية والتجارية فيما عدا جدران الحمامات ودورات المياه، وصمّمت السقوف لتكون من الأسقف البيتونية المعزولة بوساطة بلوك الهوردي تأميناً للعزل الصوتي والحراري بين مختلف الطوابق”.
أكثر من ذلك، قبل تنفيذ أي أعمال إنشائية، تمّ التعاقد مع مكتب هندسي في دمشق للقيام بدراسات لميكانيك التربة وصلاحية مواقع الأبنية البرجية للبناء عليها، مع إنجاز بيان بالتوصيات الفنية الخاصة لكلّ موقع، خلافاً للكثير من المناطق السكنية الأخرى.
وقد حرص المصمّمون للمشروع على إجراء هذه الدراسات عن طريق مكتب هندسي محايد بعد إطلاق معارضي المشروع لإشاعة والتشكيك بوجود فجوات باطنية تحت الأرض (كما ترون معزوفة التجاويف قديمة جداً)، أي تماماً مثل التشكيك الأخير لأحد المهندسين المعماريين، بل تمّ إحداث مكتب للإشراف الفني لمراقبة سلامة التنفيذ الهندسي في جميع مباني المشروع (دحضاً للإشاعات الكاذبة!).
السؤال المهمّ جداً: هل يُعقل ألا يتعرّض أي بناء للخطر بفعل تجويف أرضي خطير بعد 42 سنة من إنجازه؟
الخلاصة: استناداً إلى تقنيات البناء، ولغياب أي دراسة ميكانيكية تؤكد وجود فجوات خطيرة في الأرض، فإن أبنية مشروع دمر هي الأكثر مقاومة للزلازل، في سورية، باستثناء مبنى “دار البعث” الذي صُمم أساساً لمقاومة الزلازل، بدليل أن التفجير الإرهابي الذي استهدفه في عام 1982، بعبوة 300 كيلو “تي أن تي”، لم يلحق به أي أضرار سوى انهيار زجاح نوافذ جانب واحد فقط من البناء، وبعض الأسقف المستعارة!