عندما تمتثل منظمة أممية لفصيل إرهابي
علي اليوسف
عندما قررت الدولة السورية فتح معابر إنسانية في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الارهابية في ريف ادلب، كان الهدف إنسانياً بحتاً وليس لأغراض أخرى، وهي من هذا المنطلق تؤكد على أن التراب السوري واحد ولا يوجد تمييز بين بقعة هنا وبقعة هناك، لأن حجم الكارثة أسقط التمييز الذي سعت الدول المتآمرة لفرضه على سورية.
هذه المبادرة الانسانية التي أطلقتها الحكومة السورية، قوبلت بالرفض من قبل التنظيم الارهابي المسمى “هيئة تحرير الشام”- النصرة سابقاً – وهي بذلك تعمق جراح المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم محكومون من قبل ثلة من المجرمين الإرهابيين أصحاب المشاريع الانفصالية.. وهذا الرفض لا يعني على الاطلاق أن الدولة السورية غير قادرة على الدخول، بل هو تأكيد على أن هذا الفصيل الارهابي ينفذ إملاءات المشغل حتى في ظل هذه الظروف الصعبة التي أطاحت بالمنطقة. لكن الملفت هنا هو خنوع الأمم المتحدة في نقل مساعدات الإغاثة الموجهة للمتضررين من الزلزال من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية إلى الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، بحجة مشاكل في الحصول على موافقة هذا التنظيم الارهابي.
إذ ما معنى أن تمتثل منظمة دولية بحجم الأمم المتحدة إلى تنظيم إرهابي، وتمنع المساعدات الاغاثية عن المدنيين السوريين في تلك البقعة من الأرض؟ من الطبيعي أن تكون الاجابة في هذه الحالة هو أن الأمم المتحدة شريكة في معاناة السوريين، بل تزيد العداوات في المشهد السوري، خاصةً أن هذا الفصيل الارهابي تصنفه المنظمة الأممية على أنه، أي “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية.
إن حجة عدم موافقة فصيل إرهابي على مساعدات الأمم المتحدة من المنافذ السورية تحمل في طياتها أبعاداً سياسية خطيرة، ومنها أن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث يكثف اتصالاته الدبلوماسية، ويتحدث مع الجميع لفتح المزيد من المعابر الحدودية، وسيطلع مجلس الأمن الدولي على الوضع، ويأمل في تقديم “حجج قوية” على الحاجة الملحة لثني روسيا عن موقفها السابق في ما يتعلق بتقديم مواد الإغاثة عبر الحدود، وهذا ما يؤكد سقوط حجة الأمم المتحدة وفصيلها الارهابي، بل يشير بما لا يدع مجال للشك أن الملف الاغاثي يجري تسييسه للفوز بهذه الجولة على روسيا، وإحراج الدولة السورية، لكن هذه اللعبة الزائفة لتبادل الاتهامات ليس بالأمر البناء، ولا يساعد في إيصال المساعدات لمن يستحقها.
في الواقع، لقد جاء الزلزال ليكشف الوجه الحقيقي للأدوات الأمريكية، فالحاجة الكبيرة للإغاثة تتطلب دولاً لتنظيمها، لكن في ظل هذه التبعية يبدو أن هناك تنسيقاً لتوظيف الكارثة، وقد يدخل هذا التوظيف المنطقة في استعصاء جديد، خاصةً أن المساعدات التي تدفقت على سورية لا تشكل سوى جزء بسيط من تلك التي دخلت إلى تركيا على الرغم من أن المأساة واحدة، والزلزال واحد، لذلك فإن أكثر ما تواجهه سورية الآن هي المعضلة الأخلاقية، وليس تسجيل النقاط.