سورية وتركيا.. الزلزال قذف إلى الخلف بمعالم أثرية تعود إلى آلاف السنين
“البعث الأسبوعية” – لينا عدرا
بعيداً عن تعداد ضحايا الزلزال الرهيب الذي ضرب سورية وتركيا، في الصباح الباكر من يوم 6 شباط، يواجه البلدان أيضاً احتمال فقدان بعض معالمهما الأثرية التاريخية، والتي يعود بعضها إلى آلاف السنين.
قلعة حلب
ففي سورية، كانت قلعة حلب الشهيرة، وهي جوهرة معمارية من العصور الوسطى، قد تضررت بالفعل، تحت وطأة الحرب، ليأتي الزلزال ويحدث تصدعات جديدة، فق سقطت أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل القلعة، وتشققت أجزاء من الجدران الدفاعية في الشمال الشرقي. كما تهدمت أجزاء كبيرة من قبة منارة المسجد الأيوبي، الموجودة داخل القلعة، بما في ذلك مدخل البرج الدفاعي المملوكي.
ولم تسلم مدينة حلب القديمة، المدرجة في قائمة اليونسكو “للتراث العالمي المهدد بالخطر”، من الأضرار، فقد تصدع أو انهار العديد من المباني السكنية المجاورة للأسوار التاريخية. وانهار البرج الغربي للجدار المحيط بالبلدة القديمة وضعف العديد من المباني في الأسواق. كما أعلنت اليونسكو.
ونشرت المديرية العامة للآثار والمتاحف صوراً على فيسبوك تُظهر مئذنة الجامع الأيوبي وواجهة التكية العثمانية وأجزاء من قلعة حلب المتضررة.
وقال همام سعد، المدير العام لمديرية المتاحف والمعالم السياحية والآثار في سورية: “قلعة حلب التي تعد موقع التراث العالمي لليونسكو تضررت جراء الزلزال.. تلقينا تقارير عن حدوث صدع في قلعة حلب، وأرسلنا فريقا من المختصين لتفقد الموقع وتقييم الأضرار”.
قلعة المرقب
وفي محافظة طرطوس، أفادت فرق أثرية عن “بعض المباني المدمرة داخل قلعة المرقب الأثرية” في مدينة بانياس، فضلا عن سقوط جزئي لجدران وبرج.
قلعة القدموس
كما انهارت واجهات تاريخية في مدينة حماة، وسقط جرف صخري بالقرب من قلعة القدموس وانهارت أبنية سكنية في محيط القلعة. وتواصل فرق المديرية العامة للآثار تقييم الأضرار.
المدن الميتة
كما تأثرت 700 قرية قديمة مهجورة في شمال سورية، والمعروفة باسم “المدن الميتة”، وحوالي أربعين منها مدرجة كمواقع على لائحة التراث العالمي لليونسكو.
وفي مقابلة مع “فرانس إنتر”، قال مأمون عبد الكريم، المدير السابق للآثار والمتاحف في سورية، إنه قلق للغاية بشأن مدى الضرر الذي لا يزال من الصعب تقييمه: “نحاول التواصل مع المجتمعات المحلية لمعرفة حجم الدمار.. لكن الناس يبحثون عن موتاهم، وضحاياهم، وجراحهم.. من لديه الوقت هناك للعمل الآن على التراث الثقافي؟ لا يمكننا أن نطلب منهم ذلك”.
في مواجهة حالة الطوارئ الإنسانية، ونقص الموارد أيضاً، فإن الباحثين السوريين الذين لديهم، كما يقول مأمون عبد الكريم، “موارد قليلة جداً لدرجة أنهم لا يملكون في بعض الأحيان ما يكفي للتنقل بالسيارة بين المواقع المختلفة”.
يشدد البروفيسور عبد الكريم: “علينا أن نتحرك بسرعة.. لا يمكننا الانتظار شهرين أو ثلاثة أشهر قبل إجراء هذا التقييم، علينا التحرك قبل فوات الأوان. قد تكون هناك أشياء لا يزال بإمكاننا توحيدها وحفظها”. كما دعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم: إنه تراث سوري.. إنه تراث عالمي. هذا يكفي، هذه المحنة. أنا أتحدث إلى العالم كله: يجب أن نضع السياسة جانباً في هذا الوقت.. يعمل اثنا عشر عاماً من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية الآن على إبطاء وصول المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد الذي ينزف فيه الدم
يقول عبد الكريم أنه تلقى صوراً على هاتفه المحمول، وهو الآن على اتصال دائم بزملائه السابقين في شمال سورية: “لقد أمضيت ما يقرب من 30 عاماً من حياتي في هذه المنطقة. أخشى ما سنكتشفه هناك.
ويؤكد مأمون عبد الكريم: “هناك قلعة حلب، لكن هناك أيضاً دمار لموقع معرة النعمان. هذا المتحف في محافظة إدلب، الذي عانى بالفعل من هجمة الحرب، له أهمية خاصة فـ “لمدة عشر سنوات، كان تحت سيطرة الجماعات المسلحة لكننا تمكنا مع السكان من إنقاذ المجموعات”. واليوم، يؤكد عبد الكريم أن بعض الجدران الفسيفسائية، “الغنية جداً والرائعة”، قد تضررت. كما أنه يرتجف بسبب “المدن الميتة”، القرى القديمة المهجورة .. “طالما ضربت قلعة حلب، وطالما أصيبت معرة نعمان.. عليك أن تتخيل ما حدث بالقرب من مركز الزلزال”.
غازي عنتاب
إذا كان الضرر المادي لا يقارن بالحياة البشرية، فعلى تركيا أن تستذكر بع اليوم تدمير العديد من كنوزها الأثرية، ابتداءً بقلعة غازي عنتاب الواقعة وسط مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، ذلك أن جزءاً من جدرانها التي تعود إلى ألفي عام لم يقاوم الزلازل التي بلغت قوتها 7.5 و 7.8.
وعلى الرغم من الغزوات والفتوحات المتعددة التي شهدتها القلعة بمرور الزمن، إلا أن هيكلها ظل دائماً على حاله. والقلعة التي استخددمت كنقطة مراقبة تحت الإمبراطورية الحثية، وقوة في الأناضول في الألفية الثانية قبل الميلاد، أصبحت مبنى محصناً تحت الاحتلال الروماني في القرنين الثاني والثالث للميلاد. قبل أن يتم توسيعها أخيراً في عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول في القرن السادس.
ولم يترك الزلزال والهزة الارتدادية التي أعقبته، وكان مركزهما بالقرب من قلعة غازي عنتاب، أي فرصة. ومع ذلك، فقد نجحت القلعة في البقاء على قيد الحياة على مر القرون: بناها الحيثيون في عام 3600 قبل الميلاد، ثم تم تحويلها بعد ذلك إلى حصن من قبل الرومان بين القرنين الثاني والثالث، ثم وسعها الإمبراطور جستنيان في القرن الخامس، قبل أن يتم تجديدها خلال العصر العثماني، وأصبحت العام الماضي مكاناً لمتحف غازي عنتاب. لا يُعرف اليوم ما إذا كانت مجموعات المتحف قد تأثرت أو ما هو الضرر بالضبط، لكن الصور التي تم نقلها على الشبكات الاجتماعية تعطي فكرة عن مدى الضرر. وفي مواجهة الهزات، دمرت القلعة بجدرانها الحجرية وأبراجها الـ 12، جزئياً، وانهار سورها.
لا أنطاكية بعد اليوم..
وتُعَدُّ مدينة أنطاكية العاصمة القديمة لمحافظة الاسكندرون، المنطقة الأشد تضرراً من أسوأ زلزال ضرب تركيا منذ قرن تقريباً. ويكافح الآلاف في جميع أنحاء المدينة التاريخية، التي تحوي معالم تاريخية نفيسة تعود لآلاف السنين، لاستيعاب الكارثة التي قلبت حياتهم رأساً على عقب.
تأسست مدينة أنطاكية عام 300 قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، وعاشت لزمنٍ طويل شهد تدميرها وإعادة بنائها عدة مرات. وأطلق عليها الإغريق، والرومان، والبيزنطيون اسم “أنتيوك”. حيث كانت المدينة تمثل مركزاً تجارياً شديد النفوذ، لدرجة أنها كانت ثالث أكبر مدن الإمبراطورية الرومانية.
وبُنِيَت المدينة الجديدة فوق أطلالٍ وأطلال من أنقاض حضارات أفلت شمسها قبل زمنٍ بعيد. وما يزال عبق التاريخ يتسلل من بين ثنايا العديد من مناطقها. ويتجلى ذلك في الكنيسة المسيحية القديمة التي أسسها القديسان بطرس وبولس في كهف، وداخل المساجد الحجرية القديمة في أقدم أجزاء المدينة، وعبر قطع الفسيفساء البيزنطية النادرة.
ولم تُعف الكارثة أحداً، إذ شهدت بعض الأحياء انهيار أو تحطُّم جميع البنايات فيها، بل إن بعضها مسح بالكامل. ولم تسلم حتى الأشجار من ندوب الكارثة، بعد أن قطع الناس أغصانها لحرقها في سبيل التدفئة.
وتعرّض أقدم جزءٍ في المدينة للتدمير بشكلٍ شبه كامل بعد أن كان يستضيف المساجد، والكنائس، والكنائس، والمعابد اليهودية جنباً إلى جنب.
أما الكنيسة الأرثوذكسية الشهيرة في أنطاكية، كاتدرائية البشارة في مدينة الإسكندرونة، التي شيدتها الرهبانية الكرميلية بين عامي 1858 و1871، ثم أعيد بناؤها بعد حريق عام 1901، فقد انهارت بالكامل تقريباً.