التفاعل المجتمعي السوري خلال الكارثة كسب الرهان.. ولا تعويل على “تجميد العقوبات”
دمشق – مادلين جليس
منذ اليوم الأول لوقوع الزلزال المدمر، أثبت السوريون على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم أنهم كانوا على قدر الرّهان، وعلى قدر المسؤولية، واستطاعوا بإمكانيات ضئيلة وظروف اقتصادية ومعيشية خانقة أن يكونوا عوناً لبعضهم البعض.
ومنذ اللحظات الأولى التي تكشّف فيها حجم الدمار الهائل لم تتوقف المطالبات برفع العقوبات عن سورية، خاصة أن سورية اليوم تمر بظروف خاصة تتطلّب استنفار كافة الجهود، وبذل كل الإمكانيات المتاحة.
لكن هذه المطالب لم تلق الاستجابة المطلوبة والمتوقعة والموازية في حجمها لحدث الزلزال، فقد أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً “ادعت فيه تخفيف العقوبات”، ويتضمن رفعا جزئيا ومؤقتا للعقوبات عن سورية، دون النفط والمنتجات البترولية.
وعلى الرغم من أن دعوات صدرت هنا وهناك للإيحاء بإمكانية الاستفادة من رفع العقوبات الجزئي، إلا أن الخبير المصرفي عامر شهدا اعتبر أن الحديث عن أية إيجابيات في القرار مرفوض وغير صحيح وغير إنساني، وأشار إلى أن الإعلام السوري أخطأ في التعاطي مع الفاجعة، وهو لم يظهر الحجم الكبير للكارثة كما يجب أن يظهر، وعلى النحو الذي يحشر الغرب في الزاوية الصعبة، وفي مواجهة معضلة أخلاقية قد لا يستطيع الصمود أمامها..
وأكد شهدا أن التفاعل المجتمعي بالنسبة للكارثة كان أقوى من التفاعل الرسمي الذي أعطى صورة أنه يقوم بواجباته فقط، مشيراً إلى الخطأ الفادح الذي يرتكبه بعض المسؤولين الحكوميين الذين يخرجون على الشاشات ليعرضوا إنجازاتهم، وكأن المسؤول بذلك لا يوجه رسالة للعالم الخارجي وللشعب بحقيقة الوضع، إنما يوجه رسالة بأنه يعمل ويترجم التوجيهات، وهو ما يجب أن يتم عبر دوائر داخلية ومكتبية وليس عن طريق الإعلام.
وبين أن من المفترض في هكذا ظروف أن يقوم المسؤول بإبراز حجم الكارثة وتداعياتها وإبراز الخسائر الضخمة على كل المستويات، والإعلان عن حجم الدعم والتمويل المطلوب لذلك، إضافة إلى الاحتياجات من الكوادر الطبية وسيارات الاسعاف والإطفاء وأجهزة اكتشاف، لا أن يتحدث عن واجباته ومسؤولياته التي هي في صلب عمله أساساً.. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن إنكار الجهود الحكومية الكبيرة التي بذلت وسط عقوبات أمريكية وأوروبية أحادية الجانب فرضت على سورية.
تجميد باطل
الدكتور إبراهيم عدي، الأستاذ في كلية الاقتصاد، رأى أن واشنطن أجبرت على تجميد العمل بما يسمى “قانون قيصر”، فما شهدناه من قيام دول كثيرة بتحدي الولايات المتحدة الأمريكية، وكسر الحصار وإرسال المساعدات، وضع أمريكا في مأزق خطير لم تجد مهرباً منه إلا بـ “شرعنة” هذا الكسر من خلال إعلان “تخفيف” العقوبات. وأشار العدي أن مجال الاستفادة من هذا البيان يجب أن يوجه لاستيراد التجهيزات ولوازم البناء الممنوعة من الاستيراد بسبب “قيصر”، والعمل بجهود كبيرة للوصول إلى إلغاء العقوبات، مشيراً إلى أهمية أن تبقى الحكومة السورية المرجع الأساسي المعتمد في تقديم المعونات.
وقال عدي: لا أحد لديه حتى الآن بيانات وأرقام بحجم الأضرار والخسائر يمكن الاستناد عليها في معرفة حجم التمويل المطلوب للخروج من هذه الكارثة وإعادة بناء ما تهدّم، مشيراً إلى وجوب يجب الاستفادة من الرأي العام العالمي والضغط الشعبي للوصول إلى إيقاف العقوبات الأحادية المفروضة على سورية وليس فقط تخفيفها.
اعتراف
وعلى الرغم من أنه جزئي ومتأخر ومشروط ولا يمت للإنسانية بصلة، إلا أن الخبير الاقتصادي، ورئيس هيئة الأوراق المالية سابقا، الدكتور عابد فضلية، وجد في الرفع الجزئي للعقوبات جانبا إيجابيا. ويرى فضلية أن ما لمسناه من مواقف عربية ودولية داعمة خرجت وتمردت نسبياً على الصلف الأمريكي – ولو على خجل – هو في الحقيقة مواقف سياسية تعترف ضمنياً بالظلم والجور الذي أوقعته العقوبات الغربية على سورية والسوريين.
ويشيد فضلية بالجهود والمبادرات الإنسانية التي قام بها السوريون الذين هبوا على جناح السرعة، دون تردد أو إبطاء، لإغاثة بعضهم البعض بأموالهم وجهودهم، وأثبتوا لأنفسهم وللآخرين أنهم مصرون على العيش بكرامة، كما هو تاريخهم منذ أكثر من عشرة آلاف سنة.
لا يعول عليه
الدكتور نجم الأحمد، وزير العدل السابق، أكد أن “قانون قيصر” غير شرعي ولا يحمل أي جانب قانوني، بل هو مخالف لأحكام ميثاق الأمم المتحدة وجاء خلافاً للمعتاد، أي أن سلطة تشريعية في دولة ما تقوم بسن قوانين لتطبيقها داخل حدود دول أخرى.
وأكد الأحمد أنه لا يجب أن نعول كثيراً على هذا الرفع الجزئي لسببين: الأول أنه اقترن بتقديم المساعدات في خضم ظروف استثنائية من جهة، ومن جهة ثانية جاء ليؤكد بشكل غير مباشر على أن “قانون قيصر” مستمر ولن يتوقف. لكن ما يمكن التعويل عليه حقاً – برأي الأحمد – هو أن الشعب السوري أكد لحمته الوطنية وثباته واتحاده في مواجهة حالة استثنائية.
ولفت الأحمد إلى أن هذه العقوبات كانت سبباً في زيادة عدد الضحايا والخسائر جراء الزلزال، وسبباً في زيادة عدد الأبنية المنهارة وعدم تمكن فرق الإنقاذ من إنقاذ عدد أكبر من الضجايا بسبب عدم توفر المعدات، وعدم توفر المشتقات النفطية وبالتالي صعوبة الوصول للمناطق المتضررة، وعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية.. كل ذلك ناجم عن فرض العقوبات على سورية.
وأشار الأحمد أن إعلان الحكومة السورية عن المناطق المتضررة مناطق منكوبة لا علاقة ببيان الخزانة الأمريكية بما يسمى تخفيف العقوبات، لكن خوف الولايات المتحدة من الظهور بمظهر الخاسر بعد قيام عدد من الدول بكسر الحصار والمساهمة في تقديم المواد الإغاثية جعلها مضطرة إلى اصدار البيان الذي ادّعت فيه تخفيف العقوبات عن سوريا.
أما موضع إعلان المناطق منكوبة فهو برأي الأحمد شأن داخلي بحت، لكنه يستلزم من الحكومة التحرك والقيام بإجراءات خاصة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، من هذه الإجراءات تأمين المستلزمات الضرورية في الوقت المناسب والسرعة المناسية، إضافة إلى العمل على إعادة إصلاح وبناء ما تسببت به الكارثة من دمار وخسائر.
ارفعوا العقوبات
وافق شهدا ما جاء به وزير العدل السابق من أن العقوبات المفروضة على سورية كانت سبباً في ازدياد أعداد الضحايا وحجم الخسائر، وأضعفت قدرات الشعب السوري على مواجهة الكوارث الطبيعية، وحتى على مواجهة التضخم وصعوبة الحياة والكثير من القضايا التي تمس معيشته.. وأضاف: شعوب الدول الأمريكية والأوروبية مسؤولة أمام ضمائرها وإنسانيتها بالتحرك والمطالبة برفع العقوبات وتحميل قياداتها السياسية ما جرى للشعب السوري.