زلزال التضامن العربي
علي اليوسف
بقدر ما كان حجم الزلزال الذي ضرب شمال سورية قوياً، كان التضامنُ العربي بحجم قوة واندفاعة تقديم المساعدات العينية والمادية التي تحتاجها سورية بعد الحرب الإرهابية التي فُرضتْ عليها، وبعد سلسلة الحصارات والعقوبات التي أنهكت الشعب السوري.
لقد جاء هذا التضامن العربي كحلقة أولى في كسر القيود الاقتصادية والمالية الناجمة عن العقوبات الأحادية المفروضة على سورية، وكاستجابة فورية، بعد الزلزال المدمّر بروح الإيثار والتضامن البشري. صحيح أن الأمور لا تسير بالسرعة المطلوبة، لكن من المؤكد أنها تتقدّم، وخاصةً بعد تلقي القيادة السورية سيلاً من الاتصالات والمساعدات من ملوك وقادة الدول العربية الذين أبدوا تضامنهم مع محنة الشعب السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الطويلة، قبل أن تحطّ طائرات المساعدات تباعاً في مطارات دمشق وحلب واللاذقية.
ولعلّ في إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد -بعد الزلزال- رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سورية إشارة إلى أن هناك خطوات لدول أخرى تمهّد لإعادة العلاقات مع الدولة السورية، خاصةً وأنه سبقتها إشارات كثيرة كان أهمها من دولة الإمارات العربية التي تقود جهود الإغاثة الإقليمية إلى سورية بشكل يعبّر عن مدى التضامن مع سورية، هذا بالإضافة إلى قيام عدد من الوفود الوزارية العربية بزيارة سورية.
من الطبيعي أن يكون هذا التضامن العربي هو انتصار لقيم العروبة والإنسانية التي تجمع الشعوب العربية، وانطلاقاً من الواجب الأخوي، وهذا ما يؤكد أن الموقف العربي الداعم لسورية في هذا الظرف الحرج وغيره ما هو إلا تعبير عن رابطة الأخوة العربية، ومتانة العلاقات العربية السورية، وتأكيد للعالم بأن سورية عربية، وإن ما أصابها أصاب وأوجع كلّ أبناء الوطن العربي شعوباً وحكومات.
إن التضامن مع سورية بهدف رفع الحصار عنها يطرح جملة من الحقائق والوقائع، ومنها أن سورية في قلب الأمة العربية، وقد أثبتت أحداث التاريخ المعاصر أنها مفتاح الشرق العربي، ولهذا كان التآمر عليها، وهي اليوم تواجه الكثير الكثير من التحديات مثل الاحتلال الأمريكي في الشمال الشرقي، والتركي في الشمال الغربي، والإسرائيلي في الجنوب، بالإضافة إلى الإرهاب التكفيري وما نجم عنه من نزوح داخلي وخارجي، وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية السورية، ناهيك عن الحصار الغربي الذي يتحرّك بوحي من الحركة الصهيونية.
اليوم وبعد الزلزال، وهذا الكمّ من التضامن العربي، لا شكّ أن الرعب سيدبّ في أوصال أصحاب المشاريع التقسيمية، لأن الأفق يلوح بانفراج في العلاقات بين دول المنطقة، والذي بالتالي سيؤدي إلى استقرار في العلاقات بين دول المنطقة وشعوبها، وربما يحمل الزمن القريب بعد كارثة الزلزال لسورية مشهداً جديداً يكون جديراً بالوفاء لضحايا هذا الزلزال، وقبله ضحايا الحرب الإرهابية.
إنها دعوة للاستمرار في إرسال قوافل الإغاثة الإنسانية للشعب السوري، ودعوة للغرب، والأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة والعالم إلى التخلي عن السياسة الهجينة، والتعاطي الإيجابي مع الشعب السوري المتضرّر من أحداث الزلزال، وإيجاد بيئة تسمح بالتعاون الدولي وإيصال المساعدة الإنسانية، بل حتمية أن يقوم المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي تفرض العقوبات، بعمل عاجل عبر وضع حدّ للعقوبات الأحادية المفروضة على سورية التي هي اليوم بأمسّ الحاجة إلى التعافي وإعادة الإعمار.