في ظل الكارثة.. عين على القطع وأخرى على الصناعة.. ترقب لنتائج قرارات المركزي الأخيرة ومقترحات للاستمرارية
دمشق – ريم ربيع
لا يزال التعويل كبيراً على ما صدر عن المصرف المركزي من قرارات “جريئة” مطلع العام، لتصويب السياسات المالية والاقتصادية التي كُبّلت طيلة السنوات الأخيرة بقرارات التضييق وحبس النقد وحصر الاستيراد، حيث يترقب المواطنون كما الخبراء نتائج تلك القرارات وما سيتبعها من توجهات جديدة تعيد المنافسة والثقة والحرية في المعاملات التجارية والصناعية، بعد أن كلّف التأخر الكثير من الخسائر التي تراكمت طيلة السنوات السابقة.
ومن بين القرارات التي صدرت، السماح للأشخاص الطبيعيين بتصريف ما لديهم من قطع في المصارف، ورفع سعر صرف الحوالات لما يقارب السوق الموازية، فيما نال القطاع الصناعي حصة دسمة من القرارات المتعلقة بقطع التصدير وتمويل المستوردات واستثناء بعض المواد من تمويل المنصة، وتسهيلات استيراد المواد الأولية، مما شكل حالة ارتياح وتفاؤل من قبل الصناعيين، بعد أن أصاب الشلل معاملهم ومنشآتهم، فيما يترقب التّجار الذين أبدوا ارتياحهم للقرارات الجديدة، يترقبون “حصتهم” من التسهيلات والمرونة والسماح بالاستيراد خارج المنصة.
المفارقة أن إصدارها كان شبه متزامن مع كارثة الزلزال، الأمر الذي شكل خطوة استباقية سيكون لها منعكساتها الإيجابية في ظل الكارثة وما تحتاجه من قرارات ومتطلبات تتناسب والمرحلة الجديدة بتداعياتها وتحدياتها.
لكل زمن إجراءاته
الصناعي عاطف طيفور رأى أن قرارات المركزي صائبة جداً، وتمّت المطالبة بها من فترة طويلة، لكن لكل زمن إجراءاته، حيث أصبحنا اليوم بحاجة ماسة لهذه القرارات، فالاقتصاد السوري جزء لا يتجزأ من الإقليم والعالم، و”عصة” الدولار بالإقليم بحاجة إجراءات استثنائية لجذبه مجدداً، موضحاً أن الأزمة الأساسية اليوم هي في شحّ القطع، فالحوالات كانت تصل بشكل هاتفي غير مادي أو ملموس، بينما ستبدأ اليوم بالوصول لخزينة المركزي والمصارف، مما سينعكس على المنصة وسرعة تمويل المستوردات وتأمين المواد واستقرارها، وسرعة تلبية التجار، مما ينعكس بالنهاية على الأسعار والمنافسة.
وكما توقع طيفور فإن الأيام الأولى لنشرة الحوالات الجديدة تزامنت مع محاولة السوق السوداء إنعاش نفسها برفع السعر، لكن طالما سيستمر التقارب بالسعر بين المركزي والسوداء فلن يلجأ أحد إليها مع الأيام، ولاسيما من يتعامل بمبالغ كبيرة لم يعد مضطراً للمخاطرة، الأمر الذي سيقلص السوق السوداء، مع رفع نشرة الصرافة، حتى تصل مرحلةً يتساوى فيها السعران، ثم يبدأ بعدها الانخفاض تدريجياً، وهو ما نلحظه اليوم لهذا السبب أو لغيره.
ولم ينكر طيفور وجود خوف وقلة ثقة بالتداول الرسمي، لذلك يتطلّب الأمر بعض الوقت لانتشار هذه الثقافة بلا تعقيدات ومخاوف، وبمجرد انتشار الثقة بين المواطنين وقطاع الأعمال سيتوجّه الجميع للمنافذ الرسمية والابتعاد عن مخاطر السوداء، مما يعطي هيكلية جديدة للتعامل مع القطع الأجنبي للادخار والتصريف، واستقطاب القطع عبر رؤوس الأموال في الخارج.
جذب القطع
وشدّد طيفور على صوابية هذا الوقت لإصدار القرارات المتعلقة بالقطع، فكل المعطيات الإقليمية تؤكد ضرورة استقطاب القطع حالياً، مضيفاً أن كلّ ما صدر هو حزمة متكاملة لقرار واحد هو جذب القطع، وبالتالي دعم المنصة والمصارف لاستقرار الاستيراد، فالمنصة بدأت بشكل جيد وكان المستورد يحصل على تمويله خلال 20 يوماً، واستقرت التوريدات والأسعار، إلا أن شحّ القطع هو ما سبّب الأزمات الأخيرة، مؤكداً أن استقرار التوريدات يحقق المنافسة وزيادة العرض.
وفيما تداول البعض أن ما صدر وسيصدر من قرارات تعني تعويم الليرة وتحرير سعر الصرف، اعتبر طيفور أن هذا الحديث غير منطقي، فالنشرة الجديدة للحوالات تعتبر استثنائية وهي تدخل لمكافحة المضاربة وجذب التداول للقنوات الرسمية، ولا علاقة لها بتعويم الليرة.
الكرة بملعب “التجارة”
بدوره عضو مجلس الشعب زهير تيناوي بدا عاتباً على تأخر هذه الإجراءات، إذ كان من المفروض وجود تصويب لإجراءات قديمة اتخذت بظروف مختلفة، مؤكداً أن الانعكاسات ستكون إيجابية على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى الأسواق والوضع المعيشي للمواطن، فالتسهيلات المصرفية وتسهيل حركة القطع، وتوفر المواد الأولية، واستيرادها بسلاسة وسهولة كلها تؤثر على دوران عجلة الإنتاج، ومن المعروف أن الإنتاج والتصدير أهم للخزينة كإيرادات من الضرائب والرسوم.
وأكد تيناوي أن الإنتاج يعني تصدير ودخول القطع الأجنبي للبلد، لذلك القرارات الاقتصادية الصادرة ستسهم جميعها بتوفير بيئة خصبة لتنشيط الحركة الإنتاجية والصناعية، معتبراً أن استمرار المنصة بعملها كما هي اليوم لا يجب أن يستمر، فهي تساهم بشكل أو بآخر بارتفاع الأسعار نتيجة تأخر التمويل وفروق الأسعار.
ورأى تيناوي أن استقرار سعر الصرف قد يتطلّب بعض الوقت وليس بشكل آنيّ، إلا أنه سيستقر بالنهاية، وبالتالي يجب أن يرافقه استقرار بأسعار المنتجات بكافة أنواعها، مما يتطلب جهوداً غير عادية من وزارة التجارة وحماية المستهلك، التي يجب أن تأخذ دورها كاملاً في تثبيت الأسعار وتأمين السلع، فإن لم تقم المديريات بالمحافظات بالمراقبة والتشدّد لن تصمد هذه القرارات ولن يستفيد منها المواطن، مستبعداً حصول منعكسات سلبية لرفع سعر الحوالات، فهي ستوفر كمّاً من القطع الأجنبي للمصارف، لأن من تصله الحوالة لم يعد مضطراً للبحث عن صراف أو مضارب ليحصل على سعر السوق.
وأشار تيناوي إلى أنه ستصدر جملة قرارات لتصوّب إجراءات سابقة أدت لانكماش الأسواق، آملاً أن يرافقها إجراءات مريحة للمواطن وقطاع الأعمال في التصريف، منها التخفيف من إجراءات تداول القطع لإزالة حاجز الخوف أثناء التعامل مع القنوات الرسمية، وتغيير النمط السائد في القرار الاقتصادي بحيث تكون الجهة صاحبة القرار أكثر انفتاحاً ومرونة، لينعكس ذلك بشكل فعليّ على السوق التي تعجّ اليوم بالمخالفات.
إلغاء المنصة وتوحيد السعر
الخبير الاقتصادي الدكتور حسن حزوري وصف خطوات المركزي بالجريئة لتصحّح الأخطاء السابقة، عبر ذهنية جديدة وتحوّل كبير في مقاربته لسعر الصرف والمواضيع الاقتصادية، حيث ستسهم القرارات بفتح الأسواق لمزيد من المنافسة، وتخفيض التكاليف وتخفيف القيود والعراقيل والتعقيدات أمام المستوردات، مما سيؤدي إلى توافر السلع والمواد الأولية بكميات أكبر وبتكاليف أقل، موضحاً أن رفع سعر الحوالات سيجعل معظم الحوالات الخارجية تدخل المنظومة المصرفية النظامية ويستفيد منها المصرف المركزي، بدل أن تذهب لجيوب تجار السوق السوداء والمضاربين.
واعتبر حزوري أنه يجب أن تصدر قرارات أخرى تلغي المنصة بشكل كامل، ليعود التمويل عبر المنظومة المصرفية بالنسبة لعمليات الاستيراد والتصدير، كون المنصة كانت مسؤولة عن ارتفاع التكاليف، وبالتالي زيادة الأسعار والتضخم نتيجة قيام المستورد بتسديد قيمة البضاعة المستوردة مرة بالقطع الأجنبي وثانية بالليرة السورية وثالثة بتحمّل فروقات سعر الصرف، مطالباً بأن يتمّ توحيد سعر الصرف بسعر واحد، بدل أن يكون لدينا سعر صرف للجمارك، وآخر للمصارف، وثالث للحوالات والصيرفة، مما يحقق استقراراً في أسعار الصرف والبضائع معاً، ويجعل المواطن بحالة ثقة أكبر، ويساهم بتوجيه الأسعار نحو الاستقرار، إضافة إلى مساهمته في تعزيز دخول رؤوس الأموال إلى البلد.