“اضطراب ما بعد الصدمة”.. الطب النفسي ينصح بالتوقف عن مشاهدة مقاطع الزلزال
صحيح أن الناجين من الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال غربي سورية يوم الاثنين الماضي كتبت لهم الحياة، غير أنهم سيعانون من اضطراب ما بعد الصدمة لسنوات آتية، وأشارت منظمة الصحة العالمية، عقب وقوع الكارثة، إلى أن عدد الذين تضرروا جراء الزلزال قد يبلغ 23 مليون شخص.
وفضلاً عن الآثار الصحية المباشرة، يشير مراقبون إلى الأثر النفسي والعقلي الذي قد يمتد لسنوات أبعد من النتائج المباشرة. ويؤكد الطب النفسي أن ما حدث يرتقي إلى حد الكارثة، وحسب دراسات سابقة أجريت على ناجين من حوادث مشابهة، فإن البعض مُهدد بالإصابة بـ “اضطراب ما بعد الصدمة”، وهذا النوع من الاضطرابات النفسية تم تحديده منذ بدايات القرن العشرين، وأجري عدد من الأبحاث على الناجين من الحروب والكوارث الطبيعية لتحديد أعراضه وطرق التعافي منه، ومن المتوقع أن عدداً ليس بقليل من الناجين من الزلزال وربما المتابعين على مقربة، ربما باتوا عرضة راهناً لهذه الحالة.
ويصف الطب النفسي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بأن “الشخص يُصاب بدرجات من التوتر والقلق لا يستطيع تحملها، مع سرعة ضربات القلب، وكثرة التعرق، واضطراب درجة حرارة الجسم، كذلك يعيد الشخص لحظات الهول إلى الذاكرة ويكررها”.
وحسب توقعات الاختصاصيين فإن المعرّضين للإصابة بهذه الحالة هم الناجون من الزلزال أولاً، غير أن من يتابعون أحداث الكارثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويغرقون في ساعات المشاهدة للمقاطع القاسية التي تصور لحظات الهول، يضعون أنفسهم تحت احتمالية الإصابة باضطراب (الصدمة)، وقد يتطور الأمر إلى ضرورة العلاج.
وعن طرق التعافي من “اضطراب ما بعد الصدمة”، ينصح أطباء علم النفس العيادي بضرورة العمل على شقين لإدارة الاضطراب، ففي البداية يجب تكثيف الجهود من قبل المجتمع والمسؤولين لتوفير أسس الحياة للناجين، وتشمل المأوى والغذاء والرعاية الصحية، أما الشق الثاني فهو التعافي من الآثار النفسية التي خلفتها الكارثة، وهنا العلاج قد يمتد ليضم أربع مراحل.
وتأتي المراحل الأربع للتعافي حسب حدة الأعراض، فقد يتعرض البعض لصدمة مركبة، امتزجت فيها مشاعر الخوف مع الفقد حال كان الشخص شاهداً على هلاك شخص آخر، وهنا قد يكون الأمر أكثر تعقيداً.
ويمر الناجون المصابون باضطراب ما بعد الصدمة بمراحل، تبدأ بإعادة نسخ الحادث، ثم مرحلة الهروب وتجنب أي مثير يسبب تذكر الناجي للأحداث، وقد تصل خطورة المرحلة إلى حد فقدان جزئي للذاكرة.
وتشمل المرحلة الثالثة تغيرات نظرة الناجي للعالم والأحداث، أما المرحلة الرابعة فيطلق عليها العلم “التجمد الانفعالي”، وهي مرحلة يفقد فيها الشخص القدرة على التعاطي مع الأحداث على نحو متوقع.
ويرى المتخصصون أن الكوارث الطبيعية والأحداث العامة ربما تكون نتائجها مقبولة نسبياً مقارنة بآثار الصدمات الشخصية، ويرجعون ذلك إلى “الإيمان والمشاركة”.
وتأتي المساندة المجتمعية في مقدمة سبل التعافي للناجين من كارثة الزلزال، وقد أثبتت الدراسات أن الدعم الاجتماعي، سواء من قبل الأسرة أو المؤسسات، يأتي بنتائج عاجلة لدرء آثار الصدمة، كذلك توفير الأمان مسؤولية المحيطين بالمصاب، ثم يأتي دور الروحانيات من خلال تعزيز مفاهيم الإيمان.