خسائر الزلزال الاقتصادية شملت جميع المواطنين السوريين
عبد اللطيف عباس شعبان
كلّ مواطن سوري شريف يتملّكه شعور تام بأنه مُصاب بالزلزال الذي حلَّ في بعض المحافظات – ولو لم تكن محافظته – ونتجت عنه أضرار كبيرة بمئات الأبنية التي تهدَّمت جزئياً أو كلياً على رؤوس ساكنيها، عدا عن التي تصدَّعت وأصبحت غير آمنة للسكن، لأن الجهات الرسمية المعنية ستتحمّل جميع التكاليف المادية الكبيرة اللازمة للتفتيش عن الضحايا، أحياءً ومتوفين، وإزالة الركام المتهدِّم وتأمين الإيواء اللازم الآمن والمريح لجميع من تهدَّمت أو تصدَّعت بيوتهم لأشهر عديدة، بما في ذلك تجهيز مساكن جديدة لهم، وكلّ ذلك سيكون من الميزانية العامة للدولة التي هي ملك جميع الشعب السوري، وكان السيد الرئيس بشار الأسد خير مثال للمواطن الشريف، عندما سارع منذ اللحظات الأولى لعقد اجتماع عاجل لرئاسة مجلس الوزراء وأعطى توجيهاته الكريمة الملزمة لجميع الجهات الرسمية لإجراء كلّ ما هو مطلوب لتجاوز الكارثة، وتابع بنفسه تنفيذ ذلك ميدانياً في المحافظات المنكوبة.
من المؤكد أن المساعدات التي تقدّمها الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية المحلية، والدول الشقيقة والصديقة، ستخفّف من التكاليف التي تتحمّلها الجهات الرسمية، ولا يخفى على أي مواطن سوري مدى المساعدات التي كانت تتهافت الحكومة السورية والشعب السوري لتقديمها للأشقاء والأصدقاء حال تعرّضهم لأية كارثة مماثلة، وكم هي الحاجة الماسة اليوم لمزيد من ذلك من السوريين لذويهم، ومن أشقائهم وأصدقائهم الأوفياء، ولكن الحصار الاقتصادي الجائر الذي ينفذه الخصوم على بلدنا منذ سنوات، والضائقة الاقتصادية التي يتعرّض لها المواطنون السوريون، والتي تتفاقم يومياً، ستقف عائقاً أمام الحدّ من بعض قدرات الحكومة، ومن قدرة الكثير من المواطنين الذين ربما يجدون أنفسهم خجولين من تقديم القليل الذي يملكونه، عدا عن تكاليف جمعه ونقله وإيصاله إلى مستحقيه، من المناطق البعيدة عن المناطق المنكوبة.
مدعاة للسرور الكبير أن واقع الحال في مواجهة نتائج الزلزال أظهر قدرات حكومية عالية المستوى استثمرت كامل المعدات المتاحة لدى جميع الجهات المحلية، وقدوم آليات ومعدات من المحافظات الأخرى بوجود مشاركة فاعلة من قوات الجيش العربي السوري ووحدات القوات الروسية، وتكلّلت هذه الجهود بتعاون عالي المستوى من الأهالي ومن الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية القريبة من المواقع المنكوبة، وتواكب ذلك بما وصل ويصل تباعاً من المساعدات المتنوعة الأشكال والأنواع القادمة من عشرات الدول الشقيقة والصديقة.
ولا يخفى على أحد أن متطلبات الإنفاق الكبير اللازم عن نتائج الزلزال، ستستمر لأشهر وسنوات قادمة، لتأمين سكن جديد آمِن لمن فقدوا مساكنهم، ما يوجب ألا يستغرب البعض في هذا المكان أو ذاك نقص بعض النفقات أو الخدمات التي كان مأمولاً أن تقوم بها الحكومة في هذا المجال أو ذاك، إذ لا يختلف اثنان على أن أولوية الإنفاق في الظروف الحالية يجب أن تكون موجَّهة لمعالجة ما نجم عن الزلزال الكارثة، ومن الضروري أن يقترن ذلك باعتماد الجميع حالات تقنين بل وتقتير في كثير من أوجه الإنفاق الشخصي والأسري والمنشآتي، وألا يتوانى أحد عن التبرُّع النقدي أو العيني لمصلحة الأسر المنكوبة، بالطريقة التي تمكنِّه من ذلك، في ضوء إمكاناته وقناعاته، وألا يخجل المتبرّع أو الجامع للتبرُّع من قلة قيمة المتبرَّع به، أكان عيناً أم نقداً، لأن الحرمان أقلَّ منه.
نعمْ، لقد تضرَّر من الزلزال كلّ مواطن سوري، ولكن الضَّرر الأكثر ألماً هو الذي حلَّ فعلاً بمن أصابهم الزلزال إصابة مباشرة، الذين هم بأمسّ الحاجة لمزيد من المواساة والعون والمساعدة المتعدّدة الأشكال من المواطنين الأقل تضرراً، ما يجعلهم يستشعرون التخفيف من مصابهم تدريجياً، وهذه الحالة قائمة ومستمرة بكلّ إخلاص وتفانٍ، والعون الآنيّ في أماكن الإيواء، يتطلب وجود جهود حثيثة الكشف والمتتابع على الأبنية المهدّدة بالسقوط، والعمل السريع لتشييد أبنية بديلة لما تهدَّم ولما لم يعد صالحاً للسكن.
ولا ضير هنا أن نشير إلى أنه من المؤكد أنه قد بدا للعيان أن تأثير الزلزال الهدام كان كبيراً في الأبنية الأضعف تصميماً هندسياً والأقل تكاملاً بين كمية ونوعية المواد المستخدمة في البناء، أياً كانت الجهات التي شيَّدت هذه الأبنية، بدليل صمود العديد من الأبنية الأخرى المجاورة والتي يبدو أنها حظيت باهتمام هندسي وإنشائي كبيرين، ما يوجب تشكيل لجان هندسية رسمية تكلف بأن تجري بعض الدراسات والتحقيقات في هذا الشأن، والوصول إلى توصيات وقائية ملزمة مستقبلاً بهذا الشأن، بالتوازي مع مساءلات ومحاسبات محققة وموثقة ومؤلمة لمرتكبيها في الأبنية التي تهدَّمت وتصدَّعت وخاصةً الحديثة منها.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية