سورية وشعبها كقلب رجل واحد
ريا خوري
على الرغم من كون البراكين والزلازل والأعاصير ظواهر جيوفيزيائية تحدث في الطبيعة باستمرار، وأنها أحداث تجري ولا يمكن للإنسان التحكّم بها رغم التطور العلمي والتقدم التكنولوجي، إلا أن أحداً لا يستطيع تجاهل تلك الدروس والعبر التي تحملها الظواهر الطبيعية حين تضع الذين يتعرّضون لها أمام مواجهة واحدة ومتساوقة مع النتائج المدمّرة التي تحملها، إذ من الواجب الأخلاقي أن تذوب خلافاتهم السياسية، وتضعهم جميعاً في خندق الإنسانية الواحد.
لقد تابعنا كيف تفاعل العالم بأسره مع ضحايا هذه الكارثة الخطيرة، وكيف تسابقت الكثير من دول العالم والمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني، إلى مدّ يد العون للمنكوبين جرّاء الزلال المدمر، على الرغم من بعض العقبات اللوجستية، أو المعوقات الأخرى على كثرتها وتنوعها، ولاسيما في شمال سورية، حيث شكلت العقوبات الجائرة المفروضة على سورية وشعبها عائقاً أبطأ إيصال المساعدات في وقتها المناسب مع الأسف الشديد، وعرقل إلى حدّ ما جهود الإنقاذ المبذولة وانتشال الضحايا والمصابين بسبب النقص الكبير في المعدات والآليات الخاصة بهكذا حالة، ونقص الإمكانيات اللازمة والضرورية نتيجة الحصار، وما عانته سورية وما تعانيه في ظل الحرب التي تشهدها منذ أكثر من عقد من الزمن.
على الرغم مما خلفه الزلزال الخطير الذي ضرب سورية من خسائر بشرية ومادية، إلا أنه قد ذكّر العالم أجمع بما تعانيه سورية من الحصار والعقوبات الأمريكية والأوروبية الجائرة نتيجة مواجهتها للإرهاب الأسود والإرهاب الدولي المنظم. لقد حملت كارثة الزلزال معها بوادر فكّ الحصار الظالم الذي تعرّضت له بلدنا سورية، وكأن هذه الكارثة الطبيعية وقعت لتذكّر العالم بأن العقوبات الجائرة التي تفرضها الولايات المتحدة لا مجال لاستمرارها، ولا مبرّر لاحترامها على الإطلاق، لترتفع بذلك الأصوات الحرة في العالم المنادية بفك الحصار عن سورية وشعبها بشكل عاجل وفق قاعدة الإنسانية التي هي أعلى وأسمى من جميع القوانين والتشريعات والقرارات الجائرة التي أعطت نتائج سلبية جداً في غير مصلحة شعبنا العربي السوري.
هل آن الأوان للمجتمع الدولي أن يستدرك مسؤولياته الحقيقية تجاه سورية وشعبها، وهل فهمت هيئاته وإداراته ومؤسّساته رسالات الإنسانية الحقيقية التي تجلّت صورها التضامنية باستجابة عفوية كانت قوية جداً بمعانيها وقيمها الإنسانية من دول لها تاريخ عريق في احترام حق الشعوب في الحرية والكرامة والاستقلال بما يستجيب لتطلعاتها في التطور الإنساني والرقي الحضاري؟.
في الواقع، هناك دول مشهود لها بالقرارات والمواقف الشجاعة الكفيلة بأن تأخذ بزمام المبادرة دولياً في مصلحة حق سورية وشعبها في العيش بأمن وسلام وتعاون مع باقي دول وشعوب العالم، بعيداً عن مؤامرات التدخل الخارجي السافر بغطاء المعارضة المنخرطة في أجندات خارجية تعمل على ترويض المجتمعات الحرّة.
أما بداية التضامن مع سورية وشعبها عقب الزلزال الخطير، فقد كان من دولة الجزائر الشقيقة بلد المليون شهيد، التي فتحت جسراً جوياً متواصلاً للمساعدة في عمليات الإغاثة الإنسانية الضرورية التي يحتاجها المتضررون من خطر الزلزال المدمر. لقد انتصرت الجزائر لا محالة بمفهومها الإنساني والأخلاقي والعروبي الحقيقي الذي يستحق كل التقدير والاستدلال به لكسر الحصار، ولتكون معها مبادرات تلاحقت جديدة تسير على خطى الجزائر من دول لها إدراك كبير ووعي بالمسؤولية التاريخية والإنسانية تجاه سورية التي انتصرت في النهاية حتى وإن زلزلت أرضها بزلزال، وليرسم صورة واقعية عاجلة عما تستحقه من عالم يتغنّى بالإنسانية التي غيّبتها قوانين وتشريعات، وقرارات العقاب الجماعي الجائرة، ولوائح الحظر الجوي في سمائها، والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي تقتل الإنسان ووجوده الإنساني والأخلاقي، وتقوض حقوقه الأساسية التي يحتاجها.
إن المتابع لمجريات الأحداث، ومواقف الدول مما جرى في سورية يجد أن الموقف الأمريكي أصبح محطّ تساؤل كبير، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية عن عدم منع قوانينها العقابية الجائرة للمساعدات الإنسانية في سورية مجرد مسايرة للتطورات التي تبعت الزلزال الخطير، وما طغى عليها من تضامن كبير وواسع مع سورية وشعبها المنكوب.
لقد أثبتت مواقف أحرار العالم أن الضعف الذي أصاب البشرية كان السبب وراء تغول السياسات العقابية الجائرة التي تُفرض قسراً على الشعوب لقهرها وإخضاعها وتجويعها، ولثني قياداتها السياسية والعسكرية عن خيارات دول كانت مهداً للحضارة الإنسانية، وقدّمت مجتمعاتها أرقى النماذج الحضارية عبر التاريخ الإنساني الطويل.
في العقود الأربعة الأخيرة تحوّل العالم إلى نموذج الأحادية القطبية، وهو ما فرض تحديات كبيرة جداً جعلت عدداً كبيراً من الدول الحرة صاحبة السيادة والاستقلالية في الخيارات وفي الحفاظ على ثروات شعوبه وخيراته بين مطرقة العقوبات الجائرة وسندان المؤامرات التي تحاك من الخارج بمسمّى المعارضة بمعظم تشكيلاتها، وما تحمله من مشاريع تدميرية وتخريبية وتقسيمية للشعوب طائفياً وعرقياً ومذهبياً.
لكن الدروس والعبر الصحيحة دائماً تفرضها الإنسانية بكل معانيها، وبطبيعتها وقوانينها وتشريعاتها الأزلية ذات الحقوق العادلة التي لا تسنّها قوى السيطرة الأحادية، فمهما طال الزمن لا بدّ للأباطيل والأكاذيب أن تنتهي، وإن تخاذل الجميع أو تقاعست الغالبية من الدول، أو حتى إن تراجع تأثير أصوات الحق والعدل والمساواة في منابر الهيئات والإدارات والمؤسّسات التي يزعم أنها أممية، فلابد أن تفرض نواميس الطبيعة قوانين التوازن الحقيقي الذي سيعيد ضبط الأمور، ويضعها في نصابها الحقيقي في العالم بتعدّد أقطاب من عدة دول عظمى يحمي الجميع من الهيمنة المتسلطة، والسيطرة بالقوة العسكرية، وبسلاح العقوبات الجائرة على الشعوب، وليكون نضال وكفاح شعبنا العربي السوري مدرسة ومنهجاً حقيقياً في الثبات والتحمّل، والصبر والتلاحم القوي الوثيق ضد المؤامرات، وتكون سورية وشعبها على قلب رجل واحد أكثر من أي وقت مضى، وأكثر تلاحماً وتضامناً وتعاوناً في المحن والكوارث الطبيعية، وغيرها التي شاءت الأقدار أن تكون سبباً في كسر الحصار، وليتمّ إعادة النظر من جديد في هكذا قوانين جائرة وظالمة أضرّت بالشعوب وبحقوقها في الحرية والإنسانية والعدل.