سورية بمواجهة أمريكا.. “حاصر حصارك”
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
تستشعر الولايات المتحدة قرب فشل مخطّطاتها في سورية، حيث تعتمد الدولة السورية لمواجهة الحصار الأمريكي، على قاعدة “حاصر حصارك”، وتقود المعادلة الإقليمية لمصلحتها بالتعاون والتنسيق مع الحليفين الروسي والإيراني.
لقد أخفقت الولايات المتحدة حتى الآن في قطع طريق التقارب السوري مع محيطه، وأخفقت أيضاً في وقف استدارة العديد من الدول، عربية وغير عربية، باتجاه سورية، رغم التهديدات الأمريكية، كذلك أخفقت في الضغط على روسيا عبر ملف أوكرانيا، والأمر نفسه بالنسبة لإيران والملف النووي. والأهم من أي شيء أن الولايات المتحدة أخفقت في كسر عزيمة السوريين وإصرارهم على المقاومة والصمود، وليس خافياً على أحد أهداف الولايات المتحدة من وراء حصار الشعب السوري، وتشديد الخناق عليه، لكن ما بين صمود السوريين، وتغير المعادلات الإقليمية، تستشعر الولايات المتحدة قرب نهاية مخططاتها في سورية، وفي المنطقة عموماً، والأخطر بالنسبة لها أن تخسر وجودها الاحتلالي الذي يؤمّن لها مرتكزاً ومنطلقاً، لتحقيق مخططاتها وأطماعها في المنطقة وضد دولها.
ولأن الولايات المتحدة بدأت تستشعر بأنها باتت هي المحاصرة اليوم، كان من الطبيعي أن تعمد إلى التصعيد والضغط، وعلى كل المستويات سياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وحتى عسكرياً عبر وكلائها.
أولاً: تعمد عبر الإرهابيين الموالين لها إلى إشعال مواجهات مع الجيش السوري من جهة، ومع الطرف التركي، في نقاط وجوده على الأرض السورية من جهة ثانية، كما عملت على إعادة انتشارها وتوسيع رقعة تمركزها في نقاط سبق وانسحبت منها قبل نحو ثلاث سنوات، حيث انتشرت فيها ما يُسمّى قوات “قسد” العميلة بالتزامن مع إحياء فصائل مسلحة موازية لـ”قسد” وخصوصاً في الرقة.
ثانياً: التهديد بفرض عقوبات على الدول التي انفتحت على سورية أو في طريقها إلى ذلك، أو تلك التي تفكر بذلك.
ثالثاً: إطلاق حملة إعلامية، بتمويل قدره 15 مليون دولار لتسويق سياساتها في سورية من جهة، ولتشويه صورة الدولة السورية من جهة أخرى. قد تكون هذه الحملة “نجحت” على مستوى الدول التابعة للولايات المتحدة، وعلى رأسها الدول الأوروبية، التي عقدت اجتماعاً في العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخراً لمناقشة الأوضاع في سورية ليخلص الاجتماع إلى تأكيد استمرار الموقف الأوروبي الرافض لأي انفتاح على الدولة السورية، ورفض رفع العقوبات وإعادة الإعمار، وهذا أمر متوقع تماماً، لكنه مع ذلك لا يخدم الهدف الأمريكي، ولا يخفف من قلق الولايات المتحدة حيال وضعها المهدّد في سورية.
في المقابل، ترى سورية في هذه الحملة إصراراً أمريكياً على تضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وتفضح استمرار الهجمة الأميركية التي تستهدف سيادة سورية والتدخل في شؤونها الداخلية، والتغطية على جرائم الولايات المتحدة في سورية وحمايتها للإرهابيين والانفصاليين وسرقتها للثروات والموارد البشرية.
رابعاً: في إطار محاصرة السوريين، وصلت فظاعة الجرائم الأميركية إلى حدّ استهداف مشاف للأطفال، في إطار استهداف الولايات المتحدة للقطاع الصحي في سورية مجدداً، ولا تخبرنا الولايات المتحدة ما علاقة ذلك بتعزيز حقوق الإنسان في سورية، وتالياً ما علاقة استهداف القطاع الصحي بمكافحة الإرهاب، هل هي تحارب الإرهاب أم تحارب الحياة في سورية؟.
هذه الحملة الأميركية المتعددة الأوجه والجبهات، ليس من المتوقع أن تنحسر في المرحلة المقبلة، بل هي ستتصاعد وتتضاعف كلما ضاق الحصار على الولايات المتحدة، باتجاه نهاية وجودها الاحتلالي في سورية، لكن سورية وحلفاءها هم الطرف الأقوى، وكل شيء محسوب لديهم بدقة وحكمة.