وريث الأكشاك المريض..!؟
علي بلال قاسم
خلال الأسابيع الأولى من السنة الحالية، راحت مكنة المحافظة تزيل مجموعة جديدة من الأكشاك بعد انقضاء مهلة نهاية العام التي أعطيت للأكشاك المرخصة، ضمن موجبات سوقتها وزارة الإدارة المحلية، منذ منتصف العام الماضي، بأن التوجه قائم على تطبيق مضامين الرخص المنتهية، بالتزامن مع فكرة إعطاء فرصة لمرخصين جدد بمن فيهم ذوو الشهداء.
إلى هنا نتفهم سياسة الإدارة المحلية بالتعاطي مع هذا الملف، ولكن للأسف ثمة كف نظر لطالما مارسته محافظة دمشق، ولم تزل، تجاه السرطان الذي استشرى في أرصفة وشوارع قلب العاصمة وأحيائها على شكل بسطات وعربات وأكشاك، حولت أكثر المعابر حيوية وازدحاماً إلى بؤرة لا مكان فيها لوضع قدم لمواطن راجل، فالتوجه الذي اتبعته الحكومة يقوم على السكوت على مخالفة من هذا النوع ليس لأنها عاجزة عن قمعها وإزالتها، بل لأن في تفشي تجارة الأرصفة وتحويل الشوارع والأرصفة إلى صورة غير لائقة بتاتاً، حتى ولو كانت بمثابة الوجع الذي ترش عليه “الإدارة المحلية” الملح اضطراراً ؟
لوهلة، ترتفع حدة حنق المواطن من تبعات ومنغصات انتشار هذه الظاهرة التي استفحلت كثيراً، وحتى مع إزالة الأكشاك المرخصة ثمة بسطة مخالفة ورَّثت الموقع لنفس الشخص، في وقت يشيع الكثير من الأشخاص أن المحافظة نفسها راحت تمنح رخصا وموافقات، موثقة في بعضها وشفوية في بعضها الآخر، لبسطات وأكشاك مخالفة في المفارق ومحاور الطرق وخطوط سير السرافيس ومواقف الباصات.
هي فوضى لم تكن تحصل لولا تواطؤ الأزمة الاقتصادية مع الحالة ككل، وتماهيها مع باقي المنعكسات القائمة على الاستثمار السلبي والاستغلال غير المحمود. ومع ذلك، يدرك من يتابع ويقرأ ما بين السطور أن “العجز” الذي أشرنا إليه في البداية ينطبق على جزئية أخرى لها علاقة باعتراف غير مباشر بأن هناك عطالة وبطالة لم تستطع الحكومة أن تؤطرها في عمليات تشغيل مضمونة وملبية للطموحات، ولهذا كان التعامي عن هذه التجاوزات تكتيكا يمتص من خلاله جمل الضغط التي يجب تنفيسها بثغرات وهوامش وفرص عشوائية تشكل حلولاً إسعافية ضرورية، ولاسيما في ظل ظروف قاهرة تنشغل فيها أجهزة الدولة بكل ما يبقي الوضع مضبوطاً ومسيراً بما يؤمن سبل العيش للمواطن، لا محاربته في لقمته بشكل تعسفي كما يتبجح البعض من السفهاء وممن لم “يعضهم الجوع”؟
للحقيقة، يلمس المراقب تراجعاً في تفشي المشهد المعقد من “التجارة المريضة”، كما ينعتها أحدهم، عبر معالجات تقوم على القضم شيئاً فشيئاً، وإيجاد أماكن بديلة وأسواق ثانوية. ولكن ثمة تخبطات تعيد القضية أحياناً إلى المربع الأول، إذ لا أحد يلتزم بجغرافية بعيدة لا يقصدها زبون ولا يمر منها مستهلك، في وقت تتشابك المسائل لتتجاوز فكرة “الاسترزاق ” إلى تكوين شبكة تجارة وقبض رشى ونسب وعمولات لمتنفذين ومتسلطين ومسؤولين محليين يستثمرون الأرصفة ويؤجرونها لصالحهم وهذه حقيقة لا شك فيها؟
اليوم، تشكل البسطات أكثر الظواهر شذوذاً، ولا نعرف لماذا الإبقاء عليها رغم خطورتها.. وسوء وجودها ليس بالمنظر العام فقط بل بكل تفاصيلها ومنعكساتها وفسادها اللا متناهي؟