انكسار سلاح العقوبات الأمريكية
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن توظيف سلاح العقوبات القاسية خلال عشرات السنين الماضية ضد منافسيها في الشرق الأقصى على نطاق واسع، لذا فإنه وبعد سلسلة العقوبات المتتالية القاسية التي سلطتها على روسيا قبل بدء الحرب الساخنة في أوكرانيا وبعدها، فإنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب أو الرئيس الحالي جو بايدن، تعتمد على سياسة المواجهة الجيوسياسية والاقتصادية مع الصين التي ترى أنها تمثل أكبر منافس وأكبر تحدٍ يواجه مصالحها في العالم.
ونتيجة للعقوبات التدريجية التي شرعت الولايات المتحدة في تنفيذها ضد الشركات الصينية منذ أكثر من خمس سنوات، فإن الصين تحضّر نفسها بكل ما تملك من إمكانيات من أجل بلورة استراتيجية قادرة وفعّالة على تجاوز العقوبات الأمريكية الشاملة في حال إقدام الولايات المتحدة على اتخاذ قرار يقضي بالدخول في حرب اقتصادية واسعة النطاق مع الصين.
ويجمع المراقبون والمحلّلون الاستراتيجيون على أن الولايات المتحدة شرعت منذ نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق في توظيف سلاح العقوبات على نطاق واسع، سواء ضد القوى الإقليمية أو القوى الدولية الكبرى، خاصة وأنّ سلاح العقوبات يسمح كما يقول الخبراء والإستراتيجيون بتجاوز الفراغ الموجود في الفضاء الدبلوماسي ما بين التصريحات السياسية غير الفعالة -البروبوغندا- والعمليات العسكرية التي تجري على الأرض وفي الجو والبحر والتي من شأنها أن تؤدي إلى نتائج كارثية ومدمّرة.
لقد سمحت الحالة الاقتصادية للولايات المتحدة، التي بقيت لسنوات عدة تستحوذ على أكثر من ربع الناتج العالمي الخام، للولايات المتحدة من امتلاك قدرات هائلة تسمح لها بالتأثير بشكل قويّ وفعّال في توجيه الاقتصاد العالمي كما تريد، وتسليط عقوباتها القاسية بكل أشكالها على كل من يعارضها بدعمٍ مباشر من حلفائها الأوروبيين.
هنا علينا الإقرار والاعتراف على الرغم من كل ذلك بأن هذه الحالة بدأت في التغيّر بشكل تدريجي ولافت خلال العشرين سنة الماضية بعد أن أبدى سلاح العقوبات الأمريكي والغربي محدوديته، وعدم جدواه، حيث بدأت الاقتصاديات الصاعدة في العديد من دول العالم في كسب مساحات جديدة على حساب السيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمي. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من تلك القوى الصاعدة وفي طليعتها الصين عملت منذ عدة سنوات على بناء منظومة اقتصادية صلبة ومتينة قادرة على مواجهة أي شكل من أشكال العقوبات الأجنبية مهما تعدّدت ومهما تنوعت، وقامت بوضع إطار تشريعي وقانوني لحماية مصالحها الاقتصادية، وخاصة بعد المحاولات الفاشلة لإقصاء إيران من النظام المالي العالمي، وسلسلة كبيرة من العقوبات التي فُرضت على روسيا منذ إعلانها عن ضمّ شبه جزيرة القرم إلى أراضيها.