متطلبات الكارثة الإسكانية.. “صراع” مع الزمن!
قسيم دحدل
على الرغم من أنها كانت، أمس، جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، إلاَّ أن أوراق العمل المقدّمة من اللجان الأربع التي شُكّلت لمتابعة كارثة الزلزال، وما نجم عنه من تحديات واحتياجات، يمكن تبويبها في خانات عدة ما بين المستعجل التعامل معه واللوجستي الإغاثي والداعم المساند لآجل على كلّ الصعد والمستويات، إلاَّ أن كلّ ما خلصت إليه تلك اللجان من مقترحات وطروحات لا يزال في طور الاطلاع والمناقشة والدراسة، ولم يصل حتى إلى تحديد خيارات العمل، وبما نعمل، وكيف نعمل، وهذا يشمل كلّ المطلوب إنجازه سريعاً على كافة الأصعدة!.
ما سلف يكاد يكون صفة طالما اتسمت بها أساليب التعاطي الحكومي مع الطارئ من الوقائع في الأوضاع العادية (فكيف بكارثة كالزلزال!!)، والتي تدلّ على عدم حتى وجود خطط طوارئ استباقية، أو الاستفادة من التجارب التي مررنا بها، أو من التجارب العالمية المشابهة، علماً أننا دولة عانينا – ولا زلنا نعاني – حتى الآن العديد من الأزمات المركبة.
لا شكّ أن الكارثة كبيرة وتحتاج عقولاً أكبر لاستيعاب تداعياتها وآثارها – وهذا والحمد لله موجود – لكن وجود تلك العقول، ومهما تستنبطه من حلول، لا يكفي ولن يكتب له النجاح إذا لم يكن هناك استجابة واعية وتنفيذ سريع على أرض الواقع، لكون توابع الكارثة ستتوالد وتتفاقم إن لم نعالج كلّ منها وحسب الأولويات في الوقت والزمان المحدّدين.
لكن ما خلصت إليه الجلسة الاستثنائية في الشق الإيوائي السكني، لا ينبئ بقرب المباشرة بتنفيذ أي عمل على أرض الواقع، حيث تمّ التشديد والتشديد فقط على “ضرورة متابعة الخيارات المطروحة على صعيد توفير السكن المؤقت للمتضررين من خلال توفير الوحدات السكنية مسبقة الصنع واختيار مواقع مناسبة لها مع تأمين شبكة الخدمات والبنى التحتية الأساسية والضرورية”، أي لم يتمّ اختيار أي طرح!!
نعم، إن المصاب الجلل يحتاج إلى “عقل بارد” في إدارته، لكن في الوقت نفسه نحذّر من الكيفية الحالية التي يتمّ التعاطي بها مع منعكساته وآثاره، فهذا زلزال وهناك آلاف العائلات المشردة، وهي بأمسِّ الحاجة إلى مسكن كخطوة أولى، ومع ذلك كان التوجيه للجان الأربع “باستكمال مناقشة ودراسة الطروحات المقدمة بالتنسيق مع كافة الشركاء الوطنيين المعنيين تمهيداً لإعداد مشاريع الصكوك القانونية المطلوب اعتمادها ووضعها موضع التنفيذ في المرحلة المقبلة”.
ولعلّ الأمر اليتيم الذي طالعوا به المنكوبين بمنازلهم، هو إعلان “مصرف الوطنية للتمويل الأصغر” عن قرض للترميم بسقف أعلى 18 مليون ليرة، أي أولاً: ليس الكل يستطيع الحصول على السقف، بل هناك نسبة وتناسب لكلّ شريحة، فالموظف – مثلاً – لن يحصل إلاَّ على مليون ونيف الألف فقط، هذا ناهيك عن قيمة القسط الشهري للقرض والبالغة 20 ألف ليرة..!، والسؤال الذي يطرحه القرض نفسه: هل بمثل هكذا قروض يتمّ ترميم المنازل والأبنية؟! لا شك أنه أمر تعجيزي لمن فقدوا الكثير!!
مؤشر يفاقم المخاوف من إيجاد حلول منظورة لسكن بديل، سواء أكان مجانياً، أم بسعر الكلفة، وإن كان بهذا الأخير، فالأمر للكثير شبه مستحيل..! لذلك لا بد وأن تكون هناك مصارحات حكومية بما ستتخذه، وخاصة بالنسبة للشق الإسكاني، اعتماداً على “داتا” مادية ومالية واقعية تستطيع الحكومة من خلالها تحديد وبكلّ دقة متطلباتها وإمكانياتها في تأمين السكن البديل بشكل على الأقل شبه مجاني، حيث غالبية السوريين -بشكل عام- فقدوا وقبل الزلزال كلّ مدخراتهم.
وعليه لا خيار من سرعة القرار في تحديد من يبني ويشيّد المساكن (شركات محلية أم خارجية..)، بناءً على ما نعلمهم جميعاً عما تبقى من إمكانيات وقدرات مؤسّساتنا وشركاتنا الإنشائية الحكومية، حيث الرهان عليها حالياً مقامرة في غير زمانها.
وبكلمة ليست أخيرة نقول: السكن أولاً وأولاً، كون المسكن هو الركيزة الأساسية التي منها سيقدر الإنسان المتضرّر على الانطلاق مجدداً لترميم المادي من إمكاناته، ومن ثم العودة لحياته وعمله الطبيعيين.. نعم المسكن، لأن الركون للحلّ الإيوائي مكلف جداً على الدولة والمجتمع، ومحكوم بمدة ومساعدات، سواء طالت أم قصرت، ترميم حياة وعمل ليأتي بعدهما الترميم والشفاء من الزلزال النفسي الذي ضرب معظمنا.
Qassim1965@gmail.com