قلعة حلب الصامدة تسابق الزمن بأمل الصون العاجل
حلب – غالية خوجة
تلهج مباني حلب الأثرية المعتبرة إرثاً إنسانياً حضارياً عالمياً، تبعاً للائحة اليونسكو، أن تصبر أكثر على المحن والحروب الظلامية والكوارث القدرية لتظلّ في ذاكرة الأجيال القادمة، ولاسيما أنها من أقدم وأهم الآثار الحضارية والثقافية والمدنية والتجارية والحياتية والإنسانية المؤرّخة للأجداد والجدات وعصورهم وحقبهم المختلفة في مدينة هي من أقدم مدن العالم المأهولة.
وبلا شك، لن ينسى السوريون والعالم تضحيات جنودنا البواسل من الشهداء وجرحى الوطن والمرابطين الصامدين المدافعين مع الذين دافعوا عنها وعن مدينتهم ووطنهم الغالي في الحرب الكونية الظالمة، ولن ينسى العالم والتأريخ والمستقبلُ هذه الكارثة الطبيعية التي مرّت على أرضنا المباركة وما مزقته من أشلاء وصلت إلى المعالم الأثرية العالمية في حلب وبقية المحافظات التي ارتجت.
ومن هذه المعالم التي تضرّرت قلعة حلب العريقة التي شرح لـ “البعث” عن تأثراتها مديرها الباحث المهندس الفنان أحمد الغريب: يذكّرنا هذا الزلزال العنيف الذي حدث فجر السادس من شباط لهذا العام، وتأثرت به سورية والمنطقة الشمالية بشكل خاص، بالزلزال الأخير الذي ضرب القلعة ومحيطها عام 1822، والذي اعتُبر أكبر رابع زلزال مدمر للمنطقة.
وتابع بأسى: للأسف، كان لهذا الزلزال تأثير سلبي على بعض المواقع داخل القلعة، ويمكن تصنيف هذه الأذيات ضمن الخفيفة والمتوسطة، ولقد شهد مدخل القلعة بعض التصدعات، وتضرّر بشكل جزئي، بينما تأثر داخل القلعة أيضاً، ولاسيما مبنى الطاحونة العثمانية الذي انهار جزء منه، إضافة إلى واجهة الثكنة العثمانية التي تضمّ متحف القلعة، وهما من بناء إبراهيم باشا بن محمد علي الذي دخل عام 1831، وبناهما على حساب حجارة سفح قلعة حلب والمباني المتهدمة حول القلعة إثر زلزال عام 1822، وهي آخر العمائر داخل القلعة، وتضرّرت بشكل متوسط في الزلزال الأخير.
وتابع: إضافة إلى تصدع في جسم مئذنة الجامع الأيوبي من جهاته الأربع، وسقوط الجوسق من الأعلى وانهيار جزء من الواجهة الغربية لهذا الجامع، وهذه المئذنة بناها الظاهر غازي ملك حلب في الفترة الأيوبية المبكرة عام 604 هجرية، بالإضافة إلى انهيار جزء من الواجهة الداخلية لجامع نور الدين الزنكي، كذلك، لم ينجُ السور الدفاعي المحيط بالقلعة من الأضرار الخفيفة والطفيفة.
التدخل الإيجابي الإسعافي
طبعاً، هذه الأذيات قادرون على صونها، وذلك بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف والمنظمات ذات الصلة بالتراث الإنساني، على اعتبار أن قلعة حلب وحلب القديمة مسطّرتان على لائحة التراث العالمي، منذ عام 1986، وننتظر تقديم يد العون للمديرية العامة للآثار والمتاحف للبدء بالتدخل الإيجابي الإسعافي لترميم هذه المواقع في قلعة حلب، لتبقى وكما عهدناها تملأ أفق حلب بهيبة التاريخ الإنساني والشموخ الحضاري في هذا الوطن الغالي.
وأكد أن المصاب كبير إلاّ أن سورية ستبقى شامخة. وتابع: المواقع الأثرية، دائماً، تتأثر بالكوارث والغزوات عبْر التأريخ، وقلعة حلب أحد هذه المواقع التاريخية المهمّة التي تأثرت بهذا الزلزال.
ولفت إلى أن هذه القلعة الشامخة المهمّة شاهدة على الحقب والعصور والحضارات، لأنها تعود بجذورها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد بوجود معبد “حدد”، والمباني العسكرية التي نشاهدها هي من طراز العمارة العسكرية الرائعة من السور الدفاعي الذي يحيط بالقلعة من الأعلى إلى الأبراج الدفاعية المتقدمة إلى واجهة الحصن وما إلى ذلك، والخندق العظيم الذي يحيط بها، يزيدها بعداً إبداعياً.
واختتم المهندس الغريب: لقد قمنا بإعداد دراسة للتدخل الإسعافي لمدخل القلعة، بانتظار تدخل كوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف لإنقاذ عدد من المباني داخل القلعة، وداخل حلب القديمة.. حقيقة، هذه الكارثة عظيمة، لكن سنبقى كما العنقاء في عناق مع الشمس والخلود.