دبلوماسية الكوارث
هيفاء علي
عشرات الآلاف من الضحايا، مدن وقرى دمّرها الزلزال في سورية وتركيا، في منطقة على حافة تقاطعات جيوسياسية بالغة التوتر، تستدعي من صنّاع القرار القفز على تلك التقاطعات، وكأن لعنة القدر مصرّة على تعميق جراح تلك البؤرة.
هناك قوس من جبهات النزاعات بين مدّ وجزر تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى العراق وإيران، يتدخل فيها فاعلون إقليميون ودوليون بأجندات يطبعها التناقض، لذلك فإن هذه الكارثة تشكل تحدياً لعمل هيئات ومنظمات الإغاثة، وللعلاقات الدولية بشكل عام، كما يجب على المجتمع الدولي تعبئة ومساعدة الشعب السوري، فلا مكان هنا للحسابات السياسية، لأن صرخة كلّ إنسان طلباً للمساعدة هي مأساة، ولكلّ إنسان الحق في الحصول على الدعم.
فهل يمكن لدبلوماسية الكوارث محو الخلافات السياسية ولو مؤقتاً؟ في الواقع، وبالنظر إلى حجم هذه الكارثة، على السياسيين ألا يعرقلوا جهود الإنقاذ. في السياق، كتبت صحيفة “زودويتشه تسايتونغ” الألمانية معلقة: “دبلوماسية الكوارث هو المفهوم الذي يصف عملية تقديم المساعدات لمناطق الكوارث، بمعنى إرسال إشارة إيجابية يمكن استخدامها لاحقاً لتحسين أو تقوية العلاقات بما يتجاوز الإغاثة الفورية في حالات الكوارث”.
وتزيد تداعيات الزلزال الكارثي الضغوط على الرئيس التركي قبيل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يتوقع المراقبون أن تكون فيها المنافسة حامية الوطيس. وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الأصوات المنتقدة لبطء عمليات الإنقاذ، يواجه أردوغان وضعاً سياسياً دقيقاً حتى قبل الزلزال، بسبب سياسته الاقتصادية والارتفاع القياسي لمعدلات التضخم، إذ بلغ ارتفاع الأسعار على المستهلكين نسبة 85% العام الماضي، كما تنتشر مشاعر اليأس والغضب في المناطق التي طالها الزلزال، حيث عبّرت العائلات المنكوبة عن غضبها ضد الحكومة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “دير ستاندرد” النمساوية: “وفقاً للطموحات والمعايير التي وضعتها تركيا لنفسها، من المفروض أن تكون مسلحة بشكل أفضل من أي وقت مضى لمواجهة كارثة من هذا النوع. حتى عندما انهارت كتل من الشقق مثل ألعاب الورق، يدفع الناس ضريبة للحماية من الزلزال التي كان من المفترض أن يظهر أثرها في مبانٍ آمنة على مدى العقدين الماضيين، بدلاً من أن تستفيد منها الإدارة الفاسدة. سيتمّ إلقاء اللوم في ذلك بلا شك على أردوغان، الذي أضعفه بالفعل الوضع الاقتصادي وهو الذي يستعد لانتخابات حاسمة في أيار المقبل، وعليه، يمكن أن يعجل الزلزال بنهاية أردوغان السياسية”.