هل أبنية سورية مقاومة للزلازل؟
علي عبود
قد يستغرب الكثيرون عندما يكتشفون أن هذا السؤال كان عنواناً لتقرير نشرته (روسيا اليوم)، بتاريخ 17/ 4/ 2020، أي منذ ثلاثة أعوام تقريباً. وكانت مناسبة نشر التقرير مرور 20 عاماً على هروب أهالي اللاذقية من منازلهم إلى الكورنيش بعد انتشار إشاعة كاذبة تُنذر بحدوث زلزال وشيك، معتقدين أن الأبنية ستنهار على رؤوسهم!
نعم.. السؤال كان ولا يزال في غاية الأهمية: هل الأبنية في سورية مقاومة للزلازل؟ وقد يكون السؤال الأكثر دقة: إلى أي مدى يمكن للمباني في سورية مقاومة زلزال كبير؟
الجواب على السؤالين أتى صبيحة 6/ 2/ 2023، ليكشف لنا أن العشوائيات والمباني المرخصة التي لم تلتزم بكود نقابة المهندسين، والمباني التي خالف أصحابها فتلاعبوا بأقبيتها أو بنوا طوابق إضافية على أسطحها.. إلخ، هي وحدها التي انهارت، أو تصدّعت أو تشقّقت، في حين صمدت الأبنية الملتزمة بشروط العمارة في سورية.
وبما أن النسبة الأكبر من الأبنية السكنية تقع في مناطق العشوائيات التي تحيط بالمدن إحاطة السوار بالمعصم، وبما أن المخالفات كبيرة جداً داخل الأبنية النظامية سواء في أقبيتها أو على أسطحها، وبما أن الغالبية العظمى من البلديات، إما تغضّ النظر عن المخالفات التي يرتكبها متنفذون أو تتواطأ مع المتعهدين لارتكابها، فإن المباني السورية غير مقاومة للزلازل باستثناء الملتزمة بشروط البناء النظامية، وعددها قليل مقارنة بمناطق المخالفات والعشوائيات.
الملفتُ أن خبراء الجيولوجيا، وكذلك مركز الزلزال السوري على دراية بأن منطقتنا تشهد زلزالاً مدمراً كل 250 – 300 عام، وبما أن الزلزال المدمر الأخير وقع عام 1759 فهذا يشير إلى أن سورية مثل لبنان والأردن وتركيا دخلت دورة احتمال وقوع زلزال كبير مابين عامي 2009 – 2059م، وهذه المعلومة لم تتعامل معها الحكومات المتعاقبة بجدية، وربما كان السبب الحرب الإرهابية التي شنّها الغرب على سورية منذ عام 2011، لكن المؤكد أن هذه الحكومات لم تتعامل مع الهزة الأرضية الشديدة التي شعر بها عدد كبير من سكان دمشق وطرطوس واللاذقية في الساعة 15.11 من يوم الأربعاء 9/ 10/ 1996، بالجدية اللازمة كأنّ تتشدّد في منع بناء أبنية هشة.
والملفت أن الهزات الأرضية دفعت بنقابة المهندسين لوضع اشتراطات تصميم المباني المقاومة للزلازل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهذا يؤكد أن سورية تنبّهت للكارثة القادمة بوقت مبكر جداً، وبدأت الجامعات تهتمّ منذ ذلك الوقت بدراسة وتدريس شروط تشييد المباني المقاومة للزلازل.
نعم، إنها مفاجأة للكثيرين أنه، بعد عام 1995، “أصبح إلزاماً أن يكون كلّ بناء يتجاوز عدد طبقاته الأربع أن يكون مدروساً ومقاوماً للزلازل!”.
وبما أن الكود الهندسي موجود، فإن العبرة بقيت بنسبة تنفيذه على مدى العقود الثلاثة الماضية، وهي نسبة غير سارة اكتشفنا آثارها المدمّرة في زلزال 6/ 2/ 2023، والتي لن نتمكن من محوها قبل عدة عقود أيضاً.
المشكلة كانت، ونأمل ألا تستمر، هي استهتار مجالس المحافظات وخاصة البلديات باشتراطات تنفيذ المباني المقاومة للزلازل بفعل التقصير والإهمال، وخاصة الفساد بقصد الإثراء السريع!.
وساعد على كلّ ذلك غياب أي شركات مقاولات هندسية متخصّصة بالبناء باستثناء الشركات الإنشائية العامة التي تعرّضت لتقليص عددها وإمكاناتها لمصلحة حفنة من المتعهدين الذين كان همّهم البناء السريع بمواصفات يغلب عليها الغش في كميات الحديد والإسمنت إلى حدّ انهيار بعضها دون هزّ، أو زلزال في دمشق واللاذقية وحلب، بل ليس لدى أي متعهد ما يُسمّى (وثائق اختبار ضبط جودة البناء)!
الخلاصة: لا يكفي ألا تمنح نقابة المهندسين منذ عام 1995 تراخيص بناء إذا لم تكن مصمّمة ضد الزلازل، فالمشكلة كانت دائماً في الجهة مانحة الترخيص الفعلي للمباشرة بالبناء، أي البلديات، فنظرياً كلّ الأبنية على الورق مدروسة ومصمّمة لمقاومة الزلازل، لكن فعلياً هي مخالفة وهشّة باستثناء الضواحي التي نفذتها شركات حكومية. أليس هذا ما كشفه الزلزال المدمّر خلال ثوانٍ معدودة صبيحة 6/ 2/ 2023 في أربع محافظات على الأقل؟!