هيئة المنافسة ومنع الاحتكار.. الغائبة نهائياً!
بشير فرزان
يكشف واقع العديد من الأسواق، سواء المحروقات أو الغذائية، وغيرها، عن الكثير من التجاوزات التي تمسّ بشكل مباشر النهج الاقتصادي الذي تبنّته الحكومات المتعاقبة، وخاصة لجهة التعدّدية الاستثمارية وفتح الأبواب أمام المستثمرين المحليين والخارجيين للتنافس وتقديم الأفضل، بناءً على معيار الجودة والتنافس المتكافئ في قطاعات مختلفة، من حيث مساحات العمل وفرص خدمة المواطن عبر تأمين المستلزمات بأسعار مناسبة، ولكن ما حصل كان خلافاً لذلك، حيث جاء التنفيذ لمصلحة بعض الشخصيات المتنفذة التي عملت جاهدة لتكبيل القرارات وجرّها لخدمة مصالحها فقط.
وهنا نطرح على سبيل المثال قطاع المحروقات الذي شهد انتعاشاً ملحوظاً في الفترة الماضية رغم الحصار والعقوبات، حيث تمّ تفريخ عشرات المحطات التي توزعت على الاتوسترادات الدولية، أو في المناطق السكنية على شكل مراكز صغيرة تنشط في السوق السوداء، هذا عدا عن الكثير من المخالفات المتعلقة بمواقعها ضمن الأملاك العامة، وبعضها اقتحم حرم الطرق الدولية، أما الطامة الكبرى فهي أن جميع هذه المحطات تعود في ملكيتها لشخص أو اثنين من الذي احتكروا سوق المحروقات لأنفسهم بشكل مباشر، أو بالنيابة، وجنوا من خلالها مليارات الليرات السورية.
ولا شكّ أن النبش في ملفّ الاحتكار له الكثير من المحاذير، كونه يتعاطى مع من يعتبرون أنفسهم محصّنين بقوة القانون والفساد، إلا أن ذلك لا يمنع من تقليب صفحات هذا الملف، وكسر تلك الحلقات الدائرة في فلك الاحتكار، بما أنتج قوى اقتصادية مؤثرة بالسوق من خلال تحكمها بالكميات التي تنتجها أو تتعامل بها. وطبعاً تفاقم الاحتكار لا يبرئ الكثير من المؤسّسات من الإدانة، بالتنسيق والتواطؤ مع هؤلاء الذين يمعنون في سيطرتهم على الأسواق المحلية باحتكار المواد والتصريف عبر منافذ ضيقة مؤثرة بشكل كبير على الأسعار، في ظلّ غياب المنافسة أو تدخل الجهات الحكومية، فعندما يتحكّم تاجر أو اثنان باستيراد مادة السكر مثلاً، بالتوازي مع عدم تمكن المؤسّسة الاستهلاكية من توفير السكر التمويني، فهذا ينعكس على الحياة العامة بشكل كبير ويكون له تداعيات كارثية على الواقع المعيشي!.
وطبعاً هذا الواقع الحالي أخرج هيئة المنافسة ومنع الاحتكار من حلبة المواجهة، حيث لم تتمكّن من ممارسة دورها، والدليل أن الاحتكار أصبح متفشياً لعدم وجود منافسين لهؤلاء المحتكرين في ظل الظروف الحالية، بحسب اعترافات أحد المسؤولين في هذه الهيئة في أحد التصريحات، والتي تؤكد أن جميع المحتكرين بنوا علاقات كثيرة وقديمة مع كلّ الجهات ذات العلاقة في عملية الإنتاج والاستيراد والتسويق (مرافئ، بنوك، مخابر، موظفين، جمارك)!!
بالمحصلة.. البحث في أسباب ومسبّبات الاحتكار يبرز الدور السلبي للجهات المعنية التي تصدر إجازات الاستيراد، والتي تسمح بالتكتلات الاحتكارية وعدم التنوع عبر المنح لأشخاص محدودي العدد، وهذا ما يقود إلى نعي هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، الغائبة نهائياً، والعاملة بعقلية التموين في الإدارة والأسلوب، والمنشغلة منذ تأسيسها في نفي ظاهرة الاحتكار، بينما تغاضت عن الحلول من خلال إعادة النظر بسياسة الاستيراد وتوسيع دائرة إجازات الاستيراد والضرب بقوة على أيدي المحتكرين في القطاعات المختلفة، وما يضحك أن الأسماء معروفة ومتداولة شعبياً، بينما هي غامضة وغير واضحة لدى الهيئة التي أطبقت جفونها إلى حدّ “العمى”.