تسلل صهيوني وطرد مذل
علي اليوسف
لا تفاجئنا الجزائر بمواقفها العروبية، بل هي تزيد من قناعاتنا بأنها دولة يمكن الركون إليها في أوقات المحن العصيبة. وبعيداً عن الموقف الإنساني والأخلاقي الذي سجّلته الجزائر في محنة سورية وزلزالها، ها هي اليوم تسجل موقفاً لا يقلّ أخلاقية عما فعلته مع سورية، ولكن هذه المرة مع فلسطين المحتلة، حين قامت بطرد الدبلوماسية الإسرائيلية شارون بارلي، نائب مدير الشؤون الأفريقية في وزارة خارجية الاحتلال، قبيل افتتاح أعمال قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، من القاعة واصطحابها إلى الباب الخارجي، وسحب بطاقة الدخول كعضو مراقب، والتي وضعتها على صدرها.
منذ محاولة الكيان الصهيوني الدخول في الاتحاد الأفريقي عبر طرق ملتوية، كانت الجزائر حاضرة بقوة، وأوقفت كل الإجراءات التنفيذية، فهي تدرك حجم مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينة، والدول العربية عموماً، والأهم أنها مع بقية الدول الأفريقية لا تنسى أن هذا الكيان الإرهابي كان الحليف الأكبر لنظام الفصل العنصري في القارة، لجهة دعمه بالمال والتكنولوجيا النووية، لتكون الدول الأفريقية ومعها الجزائر الشقيقة حامية لإرث نيلسون مانديلا صاحب الصراع الأطول في العالم من أجل الحرية وتحرّر الشعوب الأفريقية.
في عام 2021 حصل الكيان الصهيوني بضغط من الولايات المتحدة، وغياب الشارع العربي عن معظم القضايا التي كانت في يوم من الأيام قضايا جامعة، على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي بقرار من رئيسه موسى فيكي محمد دون الرجوع للدول الأعضاء، ولكن الجزائر ودول جنوب أفريقيا نجحت في تجميد هذا القرار، وإصدار قرار بالإجماع من الاتحاد بتشكيل لجنة من سبعة رؤساء بتحويل التعليق إلى طرد دائم.
لقد كان طرداً مذلاً بمعنى الكلمة، وهو، أي الكيان الصهيوني، يستحق ذلك، لأن الأمانة العامة للاتحاد سحبت الدعوة الموجهة للكيان الإسرائيلي، وطلبت عدم إرسال أي مندوب للحضور، ولكن كعادته تجاهل الكيان هذه الخطوة، وأرسل مندوبته المذكورة إلى أديس أبابا لتتسلل إلى قاعة الاجتماع ليتحوّل هذا التسلل إلى فضيحة سياسية عالمية، بل إلى طرد مذلّ.
بعد هذا الطرد والفضيحة الكبيرة، بات مؤكداً أن لا شهر عسل بين الكيان الصهيوني والقارة الأفريقية، بل هو تأكيد على أن القارة السمراء تسير في الطريق الصحيح، وتغليب قيم العدالة ومصالح شعوبها الوطنية عبر وسائل كثيرة، منها تحرير اقتصادها من التبعية الغربية، وتعزيز تحالفاتها مع أقطاب النظام العالمي الجديد بزعامة الصين وروسيا.
شكراً للجزائر التي أغلقت أبواب القارة الأفريقية في وجه هذا التسلل الصهيوني، وشكراً لوقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية رغم الضغوط والمغريات الكبيرة. وشكراً للدول الأفريقية التي أظهرت الروح الحقيقية للوحدة الأفريقية والتضامن الأفريقي مع القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية.